ولعل من قال: إن في القرآن غيرَ لسان العرب، وقبل ذلك منه: ذهب إلى أن من القرآن خاصًّا يجهل بعضه بعضُ العرب.
ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه.
والعلم به عند العرب كالعلم بالسُّنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلًا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء.
فإذا جُمعَ علمُ عامة أهل العلم بها أتي على السنن, وإذا فُرِّقَ علمُ كل واحد منهم: ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودًا عند غيره.
وهم في العلم طبقات: منهم الجامع لأكثره، وإن ذهب عليه بعضه، ومنهم الجامع لأقل مما جمع غيره.
وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمع أكثرها: دليلًا على أن يطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم، بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه، حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله، بأبي هو وأمي، فيتفرد العلماء بجمعها، وهم درجات فيما وعوا منها.
وهكذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها: لا يذهب منه شيء عليها, ولا يطلب عند غيرها, ولا يعلمه إلا من قبله عنها, ولا يشركها فيه إلا من اتبعها في تعلمه منها، ومن قبله منها فهو من أهل لسانها.
وإنما صار غيرهم من غير أهله بتركه، فإذا صار إليه صار من أهله.
وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعم من علم أكثر السنن في العلماء.