فإن قال قائل: فقد نجد من العجم من ينطق بالشيء من لسان العرب؟
فذلك يحتمل ما وصفت من تعلمه منهم، فإن لم يكن ممن تعلمه منهم فلا يوجد من ينطق إلا بالقليل منه، ومن نطق بقليل منه فهو تبع للعرب فيه.
ولا ننكر إذا كان اللفظ قيل تعلمًا أو نُطق به موضوعًا: أن يوافق لسانُ المعجم أو بعضها قليلًا من لسان العرب، كما يتفق القليل من ألسنة المعجم المتباينة في أكثر كلامها، مع تنائي ديارها، واختلاف لسانها، وبعد الأواصر بينها وبين من وافقت بعض لسانه منها.
فإن قال قائل: ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب، لا يخلطه فيه غيره؟
فالحجة فيه كتاب الله، قال الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[إبراهيم: ٤].
فإن قال قائل: فإن الرسل قبل محمَّد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة، وإن محمدًا بعث إلى الناس كافة: فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة، ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه، ويحتمل أن يكون بعث بألسنتهم: فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة المعجم؟
فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض: فلا بد أن يكون بعضهم تبعًا لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع.
وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي. ولا يجوز -والله أعلم- أن يكون أهل لسانه أتباعًا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تَبَع للسانه، وكل أهلِ دينٍ قبله فعليهم اتّباع دينه.