للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هذه الفترة أعطت الصحابة تجربة حية، وملكة ناصعة، فقد عاصروا نزول القرآن الكريم، وعرفوا حكمة التشريع، واطلعوا على أسرار الشريعة، وعرفوا قسطًا من تفسير القرآن الكريم من رسول الله، وأدركوا أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث، وصاحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورشفوا من نوره، وتدربوا على مواجهة القضايا والمشاكل، وتمرنوا على الاجتهاد والاستنباط، ويضاف إلى ذلك الفطرة السليمة والذهن الصافي، والفكر المستقيم، وفصاحة اللسان الذي نزل القرآن به، كل ذلك كان مؤهلًا لهم لاستلام الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولي الحكم، وتدبير أمور الدولة، ومواكبة شؤون التشريع والاجتهاد.

فإذا نزلت بهم الوقائع، أو طرأت عليهم الأمور في مجال القضاء والفتيا والاجتهاد والتشريع، رجعوا إلى كتاب الله تعالى، فإن وجدوا فيه الحكم أخذوا به ووقفوا عنده، وإن لم يجدوا لجؤوا إلى السنة، وسألوا من يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا، فإن وجدوا ضالتهم في السنة التزموا بها، وإن لم يجدوا بحثوا ونظروا واجتهدوا واستنبطوا حكم الله تعالى، معتمدين على المؤهلات العلمية والشخصية التي توفرت فيهم، فإن اتفقوا على أمر كان إجماعًا، وهو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي (١)، وإن لم يتفقوا بقي في حيز الاجتهاد والاستنباط، وهو المصدر التشريعي الرابع الذي عرف بالقياس (٢)، وهذا أحد


= الدارقطني مثل هذه القصة عن عقبة بن عامر (سنن الدارقطني: ٤/ ٢٠٣).
(١) انظر ما رواه الدارمي (١/ ٥٨) عن ميمون بن مهران أنه قال ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم: ٦ ص ٧٦٨ ومقدمة ابن خلدون: ص ٤٥٣، أصول التشريع الإسلامي، حسب الله: ص ٥، أصول الفقه، البرديسي: ص ٨، المدخل إلى علم أصول الفقه: ص ٥٤، ٦٤ وما بعدها، الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، الدهلوي: ص ١٩، حجة الله البالغة: ١ ص ٢٩٦، الفتح المبين: ١ ص ٩، ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>