للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبادئ الأساسية في أصول الفقه بتحديد مصادر الاجتهاد وترتيبها.

وكانت الملكة اللغوية والتشريعية عند الصحابة، والذوق الرفيع في تفهم معنى الآيات والأحاديث، والفطرة النقية في ترتيب المصادر، وصفاء الخاطر لمعرفة مقاصد الشريعة، وحدة الذهن في إدراك الأهداف والغايات -كان ذلك مرشدًا لهم في تتبع النصوص واستنباط الأحكام منها، والاجتهاد فيما لم يرد فيه نص (١).

وقد وردت آثار كثيرة تؤكد سلامة الفطرة في الاستنباط، وأنهم كانوا يطبقون القواعد الأصولية بجوهرها، وإن لم ينصوا عليها، ويسيرون على منهج واضح في الاجتهاد والقضاء وبيان الأحكام، كما كانوا ينطقون بالفصحى، ويراعون الإعراب، قبل أن يوضع علم النحو والصرف، ونضرب عدة أمثلة على ذلك:

١ - أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيًا السنة العاشرة للهجرة، وسأله: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب الله تعالى، قال: "فإن لم تجد في كتاب الله؟ " قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ " قال: أجتهد رأي، ولا آلو، أي أقصر، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله (٢) ".


(١) انظر نصًّا طريفًا ودقيقًا لإمام الحرمين في "غياث الأمم ص ٢٩٢": ويقول ابن مسعود: اسألوني عن كتاب الله، فما من آية إلا وأنا أعرف متى نزلت، وأين نزلت، وكيف نزلت؟ (انظر البخاري ٤/ ١٩١٢ تخريج أحاديث البزدوي ص ٢٣٨).
(٢) رواه أَبو داود في سننه: ٢ ص ٢٧٢، وانظر: الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم: ٦ ص ٧٦٦، ورواه الترمذي: ٤ ص ٥٥٦، وروى مثله النسائي: ٨ ص ٣٠٨، وانظر: أدب القضاء، لابن أبي الدم: ص ٧، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم - عليًّا قاضيًا إلى اليمن، وأرشده إلى المنهج السديد في القضاء، وأرسل عمر رضي الله عنه شريحًا =

<<  <  ج: ص:  >  >>