للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أكل الميتة أو شرب الخمر فيباح له أكلها وشربها.

وحكم هذا النوع -ما عدا الكفر مع الإكراه- ترجيح الأخذ بالرخصة على العزيمة لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣]، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩]، ولأن في الرخصة حفظًا للنفس ولاستيفاء حق اللَّه فيها، ولو أصر على العزيمة وامتنع عن شرب الخمر وأكل الميتة عند الاضطرار والإكراه حتى مات بسببهما أثم بإلقاء نفسه إلى التهلكة (١).

أما الإكراه على الكفر فالأخذ بالعزيمة أولى وأفضل لبقاء المحرم والحرمة، ولو تحمل المكره الإكراه، وامتنع عن الرخصة، وقتل، كان شهيدًا، لأنه بذل نفسه لإقامة حق اللَّه تعالى.

والدليل على ذلك أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من الصحابة، فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول اللَّه، قال: فما تقول فيَّ؟ قال: أنت أيضًا، فخلاه، وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول اللَّه، قال: فما تقول فيَّ؟ قال: إنما أنا أصم، فأعاد عليه ثلاثًا، فأعاد جوابه، فقتله، فبلغ ذلك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أما الأول: فقد أخذ برخصة اللَّه، وأما الثاني: فقد صدع بالحق، فهنيئًا له"، وحصل مثل ذلك مع عمار وخبيب بن عدي وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في خبيب: "هو أفضل الشهداء، وهو رفيقي في الجنة (٢) ".

٢ - الرخصة في ترك الواجباب: وهي الرخصة التي تجعل الفعل في حكم المباح مع قيام السبب الموجب لحكمه، ولكن الحكم متراخٍ عن


(١) تيسير التحرير: ٢ ص ٢٣٢، وقال الإمام أحمد في قول: إن العزيمة أفضل في الميتة، ويخير بين القتل وشرب الخمر، انظر المدخل إلى مذهب أحمد: ص ٧١، ٧٢.
(٢) انظر تسهيل الوصول: ص ٢٥٢، فواتح الرحموت: ١ ص ١١٦، كشف الأسرار: ٢ ص ٦٣٥، الإصابة: ٢ ص ١٠٢، سيرة ابن هشام: ٢ ص ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>