للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عهد معاوية وبني أمية وبني العباس، وسارت شرقًا حتى الصين، وغربًا حتى جنوب فرنسا، وذلك خلال القرنين الأول والثاني من الهجرة.

ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ولبى نداءَ الله شعوبُ الأرض في هذه البلاد، وانخرط في سلك الدعوة غير العرب من جميع الأجناس واللغات من كل حدب وصوب، فاختلط العرب بغيرهم، وضعفت اللغة العربية في ربوع الدولة الإسلامية، وتسربت العجمة إلى مجالس العلم والعلماء، ولم ينحصر العلم باللغة العربية، بل لم تبق الفصحى لغة التخاطب والكتابة، وبرز من غير العرب أئمة وعلماء، لا يدخلون تحت الحصر، ولم يعد الاجتهاد ميسورًا وسهلًا كما كان في زمن الصحابة والتابعين، واستجدت قضايا ومشاكل ونظريات وحركة عمرانية، وتفتح العقل على أمور لم يرد عليها نص في القرآن الكريم ولا في السنة، ولم يترك الصحابة والتابعون فيها رأيًا، فاتسع الاجتهاد، وفتح الباب على مصراعيه، وأدلى كل عالم بدلوه، وقام بواجبه في استنباط الأحكام الشرعية لكل جديد، وشرع الناس أيضًا بتدوين الأحكام مع تدوين السنة، وظهرت في هذا العصر أيضًا الفرق المختلفة، كالروافض (١) والخوارج والشيعة والمعتزلة، فأدى ذلك إلى الاختلاف الواسع في الاجتهاد، وتأثر كل فريق من العلماء بما وصل إليه من تراث السلف رواية ودراية، وبرز إلى الوجود أئمة أعلام، يتميزون بالكفاءات العلمية والملكات الفريدة.

وكان من نتيجة ذلك أن تميزت مناهج العلماء والأئمة، واصطبغت الأحكام بالصبغة العلمية بذكر الأدلة والحجج والعلل والأصول العامة،


(١) الروافض هم الذين كانوا مع زيد بن علي بن الحسين بن علي رحمهم الله تعالى، ثم تركوه لما رفض أن يتبرأ من الشيخين، وقال لهم: "كانا وزيري جدي" ثم أصبح هذ اللقب لكل من غلا من الشيعة (الوصول إلى الأصول ١/ ٥٢ هامش).

<<  <  ج: ص:  >  >>