للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانقسم العلماء إلى مدرستين:

الأولى: مدرسة الحديث، ومقرها الحجاز في مكة والمدينة، وتعتمد على الرواية والأثر، وشاع بين أهلها بعض الركود والكسل والعجز عن الجدل والنظر، ووقع بهم الارتباك عند نزول الوقائع الجديدة بهم، وظهر عليهم الضعف في الرد على الخصوم، أو الانتصار لطريقتهم.

والمدرسة الثانية: مدرسة الرأي، ومركزها العراق في الكوفة والبصرة، وتعتمد على الاجتهاد والعقل والفكر والاستنباط، وكانت تفتقر إلى الحديث، وتشدد في التثبت من الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لشيوع الزندقة في العراق، وانتشار الوضع في الحديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتمدوا على النصوص لاستخراج الأحكام، ثم نشطوا في النظر والبحث، ومهروا في القياس، وقدموه في بعض الأحيان على الحديث، وردوا الخبر إذا كان في واقعة تعم بها البلوى.

وبدأ النقاش العلمي بين المدرستين، وعقدت المناظرات، واشتد الجدل على قدم وساق، وطعن كل منهما بالآخر، وعاب طريقته، وتشكك أن فيما وصل إليه من أحكام، وكان كل إمام أو مجتهد أو مناظر يحاول أن يدعم رأيه بالأدلة والبراهين العلمية والعقلية (١).

وشعر العلماء حينئذ بالحاجة الماسة لوجود ضوابط في الاستنباط يعتمدون عليها، ومنهاج للتفكير يبنون عليه، وشروط للاجتهاد والاستدلال، وقواعد لأساليب البيان العربي الذي وردت النصوص به، فجادت قرائح الأئمة والعلماء بمجموعة من ضوابط الاستنباط وشروط


(١) أصول الفقه لغير الحنفية: ص ٢٩، المختارات الفتحية في تاريخ التشريع وأصول الفقه، أحمد أَبو الفتوح: ص ٩٣، مصادر التشريع الإسلامي: ص ٣٠، المدخل إلى علم أصول الفقه: ص ٩٣، وما بعدها، أصول التشريع الإسلامي: ص ٥، الملل والنحل: ١/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>