للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمى اقتضاء؛ لأن استقامة الكلام تقتضيه وتستدعيه، والباعث على التقدير والزيادة هو المقتضي، والشيء المقدَّر المزيد هو المقتضَى، والدلالة هو الاقتضاء، وما ثبت بالتقدير والزيادة هو حكم المقتضَى (١).

مثاله: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ عن أمّتي الخطأُ والنسيانُ وما استُكرِهُوا عليه" (٢)، فالحديث يدل بلفظه وعبارته على رفع الفعل الذي يقع من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خطأ أو نسيانًا أو إكراهًا بعد وقوعه، وهذا يتنافى مع الواقع؛ لأن هذه الأمور موجودة في هذه الأمة، والفعل بعد وقوعه لا يُرفع، فهو محال، مما يقتضي تقدير شيء محذوف من الكلام حتى يكون صحيحًا، وهو الإثم أو الحكم، وتكون دلالة النص بالاقتضاء رفع إثم الخطأ والنسيان والإكراه، أو رفع حكمه وعدم ترتب أثره عليه، وبهذا التقدير يتفق الكلام مع الواقع، فالإثم محذوف، واقتضى تقديره لصحة معنى النص، فهو ثابت بدلالة الاقتضاء.

ومثله حديث: "إنما الأعمال بالنيات" (٣) أي: ثوابها، وحديث: "لا صيام لمن لم يُبَيِّتِ الصِّيام من الليل" (٤) أي: لا صحة للصيام.

ومثله قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣]، أي: زواجهن، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]، أي: أكلها والانتفاع بها؛ لأن الذات لا يتعلق بها التحريم، وإنما يتعلق التحريم بفعل المكلف، فيقدر المقتضَى في كل نص بما يناسبه، ويكون التقدير ثابتًا بطريق الاقتضاء.

وقد يتوقف التقدير لصحة الكلام على العقل، كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ


(١) أصول السرخسي (١/ ٢٤٨)، كشف الأسرار (١/ ٧٥)، تيسير التحرير (١/ ٩٢)، فواتح الرحموت (١/ ٤١٣)، شرح العضد (٢/ ١٧٢)، إرشاد الفحول ص ١٧٨، علم أصول الفقه ص ١٥٠، تفسير النصوص (١/ ٥٤٧)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٥٥)، أصول الأحكام ص ٢٥٨، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٣٦.
(٢) هذا الحديث أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم وغيرهم.
(٣) هذا الحديث سيأتي تخريجه وعزوه ص ١٦٦.
(٤) هذا الحديث سبق بيانه ص ٩٩، ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>