للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يزال إلى اليوم، ولن يزال قائمًا ما دام الناس هم الناس بطبائعهم وأفكارهم وتقلبهم ومعايشهم وتعليمهم وتربيتهم وبيئتهم وأعرافهم (١).

فالاختلاف واقع في التفكير والعقل والحواس والملكات، وبالتالي فلا بد أن تختلف الآراء والاجتهادات في المسألة الواحدة، وهذا الخلاف لا يحتاج إلى استدلال ولا براهين، ولا ينكره إلا من ينكر الشمس الطالعة، وهذا من دلائل عظمة الله تعالى القائل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (٢٢)} [الروم: ٢٢].

ولكن الذي يستدعي الانتباه فيه أمران:

أ- أن هذا الاختلاف في التكوين اعترفت به الشريعة التي جاءت متفقة مع الفطرة والواقع والعقل، بل اعتبرت الاختلاف في ذلك رحمة بالأمة.

ب- ونتج عن الأمر الأول أن الإسلام قدر قيمة العقل والفكر، وأطلق عنانه من قيود التبعية والتقليد، ومنحه القدرة على رفض الذيلية والخضوع لطبقة معينة تسمى رجال الدين أو رجال السياسة أو ... ولم توجب الشريعة إلزام المسلم برأي معين إلا ما أوجبه الله تعالى.

٢ - الاختلاف في اللغة، وذلك أن علماء اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم مختلفون في أمور كثيرة تتعلق بوضع اللفظ الدال على المعنى، وبمعنى الألفاظ ودلالتها، وفي الأسلوب والصيغ وغير ذلك، وظهر عندهم الحقيقة والمجاز، والعام والخاص والمشترك والمترادف وغير ذلك، مما أكسب اللغة اتساعًا، فاختارها الله لرسالته، وظهر فيها


= لابن تيمية ص ٣٥ وما بعدها، الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف، للحافظ ابن عبد البر (الرسائل المنيرية: ٢/ ١٥٣ - ١٩٤).
(١) المرجع السابق: ص ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>