إعجاز القرآن الكريم، وكان الاختلاف الواقع في اللغة مؤديًا إلى الاختلاف في فهم النص ودلالته، وإلى الاختلاف في استنباط الحكم الشرعي منه، مثل لفظ: النكاح والقرء واليد واللمس والنبيذ وحروف الجر والعطف، وقد وضع علماء الأصول بعض المبادئ اللغوية التي تطبق على فهم النصوص، ودخلت هذه المبادئ في قواعد علم أصول الفقه (١).
٣ - اختلاف البيئات والعصور والمصالح، وذلك أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة، ولذلك فإن المصالح الثابتة والمقاصد الشرعية الرئيسية لا اختلاف فيها ولا نزاع، وأما الأحكام الجزئية والتفصيلية فقد تحقق المصلحة في مكان دون مكان، وقد تلبي حاجات الناس في زمان دون زمان، فلو كانت الأحكام التفصيلية الفرعية واحدة لأدى ذلك إلى الحرج، وانتفت مصالح الناس، وتوقفت أعمالهم، ولحقهم الضجر الذي يدفعهم إلى التحايل والتهرب من التشريع بشتى الوسائل، فالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت في الحجاز تختلف تمامًا عنها في العراق أو الشام أو مصر، وما ألفه الناس من عادات وتقاليد وأعراف صحيحة في صدر الإسلام يستغربها المسلم في العصور الأخيرة، وإن بعض الأحكام والشروط التي نص عليها الأئمة في القرون الأولى لتحقيق المساواة والعدالة بين أطراف العقد تعتبر عبئًا عليهم اليوم بدون هدف ولا غاية ولا فائدة.
(١) الفقه المقارن، الزفزاف: ص ٤١، ٥٦، محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء ص ١٣١، أصول الفقه، خلاف: ص ٣٢٩، أبحاث في علم أصول الفقه: ص ١٥، ١٨، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء: ص ٦٨، الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف: ص ٣٢ وما بعدها، ص ٦٩ وما بعدها، ص ١٥٩، الاعتصام، الشاطبي: ٢ ص ١٦٥، فقه الكتاب والسنة في القصاص، المرحوم محمود شلتوت: ص ٤٨.