للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل هذه الأسباب دعت الأئمة إلى الاختلاف في الأحكام الفرعية حسب البيئات والعصور والمصالح، وكان الإمام الواحد إذا تغيرت هذه الظروف لم يبق شامخ الرأس، متحجر العقل، متغطرس التفكير، بل كان واقعيًا وحساسًا لهذه الأمور فيرعاها ويغير من اجتهاده على مقتضاها، كما حصل مع الإمام الشافعي، وكما حدث مع الصاحبين بعد وفاة الإمام أبي حنيفة، وكما نرى في كثير من الأحكام المختلف فيها بين المتأخرين والمتقدمين في المذهب الواحد، ويقولون: "إنه اختلاف عصر وزمان، وليس اختلاف حجة وبرهان" ووضعوا القاعدة الفقهية: "لا ينكر تغير الأحكام لتغير الأزمان" لتأكيد صلاحية الشريعة في كل زمان ومكان، وأنها خالدة وحجة على المؤمنين بها والحاقدين عليها على حد سواء (١).

٤ - الاختلاف في فهم المراد من النص عندما تكون دلالة النصوص ليست قطعية، ويكون المعنى خافيًا، أو محتملًا للتأويل، أو قابلًا للنسخ، وظهر هذا السبب منذ عصر الصحابة الذين اختلفوا في فهم النص القرآني، ثم جاء علماء التفسير وحاولوا بيان معنى الآيات فاختلفوا في ذلك، كالاختلاف في القراءات، والقراءة الشاذة، وألفاظ القرآن المشتركة، والعام الذي يدخله التخصيص، والمطلق الذي يلحقه التقييد، كما اختلف علماء الحديث في فهم المراد من الحديث عند غموض النص، أو احتمال تأويله، أو تعارضه مع نص آخر، كما اختلفوا في المراد من السنة الفعلية ودلالتها على الأحكام، كالاختلاف في حكم طواف القدوم، وحكم الأفعال الجبلية التي صدرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الاختلاف في فهم المراد من النص مؤديًا إلى الاختلاف في الأحكام بين الفقهاء (٢).


(١) محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء، الخفيف: ص ١٩٥ وما بعدها.
(٢) الفقه المقارن، الزفزاف؛ ص ١٠، ١١، ١٥، محاضرات في أسباب اختلاف =

<<  <  ج: ص:  >  >>