للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم اللَّه تعالى فيها من دون تعصب أو تحمل، أو تهور أو تقصير، فما وصل إليه اجتهاده، فهو حكم اللَّه تعالى الذي يجب عليه التزامه، والعمل به، والفتوى فيه.

واستحسن الشوكاني منهج الشافعي رحمه اللَّه تعالى (١)، الذي حكاه عنه الغزالي، ولخص فيه طريقة الاجتهاد فقال: "إذا وقعت الواقعة للمجتهد، فليعرضها على نصوص الكتاب، فإن أعوزه، عرضها على الخبر المتواتر، ثم الآحاد، فإن أعوزه لم يخففي القياس، بل يلتفت إلى ظواهر الكتاب، فإن وجد ظاهرًا، نظر في المخصصات من قياس وخبر، فإن لم يجد مخصصًا، حكم به، وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب ولا سنة، نظر إلى المذاهب، فإن وجدها مجمعًا عليها، اتبع الإجماع، وإن لم يجد إجماعًا، خاض في القياس، ويلاحظ القواعد الكلية أولًا، ويقدمها على الجزئيات، كما في القتل بالمثقل، فتقدم قاعدة الرح على مراعاة الاسم، فإن عدم قاعدة كلية، نظر في المنصوص ومواقع الإجماع، فإن وجدها في معنى واحد، ألحق به، وإلا انحدر به إلى القياس، فإن أعوزه، تمسك بالشَبَه، ولا يُعوّل على طرد" (٢).

ويعرض أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي رحمه اللَّه تعالى وجوه الاجتهاد فيقول: "واسم الاجتهاد في الشرع ينتظم ثلاثة معان:

أحدها: القياس الشرعي على علة مستنبطة، أو منصوص عليها، فيردُّ بها الفرع إلى أصله، ونحكم له بحكمه، بالمعنى الجامع بينهما، وإنما صار هذا من باب الاجتهاد -وإن كان قياسًا- من قبل أن تلك العلة لما لم تكن موجبة للحكم؛ لجواز وجودها عارية منه، وكانت كالأمارة، وكان طريق إثباتها علامةً للحكم: الاجتهادَ وغالبَ الظن، لم يوجب ذلك لنا العلم بالمطلوب، فلذلك كان طريقه الاجتهاد.

والضرب الثاني من الاجتهاد: هو ما يغلب في الظن من غير علة يجب


(١) وقال الشافعي رحمه اللَّه تعالى في رسالته: "ولم يَجْعل اللَّه لأحدِ بعدَ رسول اللَّه أَنْ يقولَ إلا من جهة علمٍ مضى قبله، وجهةُ العلم بعدُ: الكتابُ والسنةُ والأجماع والآثار، وما وصفت من القياس عليها" الرسالة ص ٢٥٨ طبعة دار النفائس، بيروت، د. ت، وانظر بقية كلامه في الاجتهاد، والقياس، والشروط المطلوبة فيهما.
(٢) إرشاد الفحول ص ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>