للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها قياس الفرع على الأصل، كالاجتهاد في تحري جهة الكعبة لمن كان غائبًا عنها، وكتقويم المتلفات، وجزاء الصيد، والحكم بمهر المثل، ونفقة المرأة والمعتدة ونحوها، فهذا الضرب من الاجتهاد كُلِّفنا فيه الحكم بما يؤدي إليه غالب الظن، من غير علة يقاس بها فرع على أصله.

الضرب الثالث: الاستدلال بالأصول (١).

ويبين الماوردي رحمه اللَّه تعالى وجوه الاجتهاد ومنهجه، ويقسمها إلى ثمانية أقسام، وهي:

"أحدها: ما كان حكم الاجتهاد مستخرجًا من معنى النص، كاستخراج علة الربا من البُرِّ، فهذا صحيح غير مدفوع عنه عند جميع القائلين بالقياس.

والقسم الثاني: ما كان مستخرجًا من شَبَه النّص، كالعبد في ثبوت تملكه، لتردُّدِ شَبَهه بالحر في أنه يَمْلك؛ لأنه مكلف، وشَبَهِه بالبهيمة في أنه لا يَمْلك؛ لأنه مملوك، وهذا صحيح وليس بمدفوع عنه عند من قال بالقياس، ومن لم يقل، غير أن من لم يقل بالقياس، جعله داخلًا في عموم أحد الشبهين، ومن قال بالقياس جعله ملحقًا بأحد الشبهين.

القسم الثالث: ما كان مستخرجًا من عموم النص، كالذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى: {إلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧]، يعم الأب والزوج، والمراد به أحدهما، وهذا صحيح يُوصل إليه بالترجيح.

القسم الرابع: ما كان مستخرجًا من إجمال النص، كقوله تعالى في متعة الطلاق: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦]، فصح الاجتهاد في إجمال قدر المتعة باعتبار حال الزوجين.

القسم الخامس: ما كان مستخرجًا من أحوال النص، كقوله تعالى في متعة الحج: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ


(١) الفصول (٤/ ١١ - ١٢)، ونقل ذلك الزركشي عنه بتصرف في البحر المحيط (٦/ ١٩٧ - ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>