ولو أردنا استقصاء الأمثلة من حياة السلف لما كفتنا هذه الورقات، لذا يجب على المعلم الذي يريد النجاح في مهنته، أن يذُعن للحق ويتراجع عن خطئه إذا أخطأ، ويعلِّم طلابه هذا الخلق العظيم، ويبين لهم فضل التواضع والرجوع إلى الحق، وأن يطبق ذلك عمليًا في الفصل، فإذا رأى إجابات بعض الطلبة أفضل من إجابته، فَلْيُعِلن ذلك وليعترف بأفضلية إجابة هذا الطالب، فذلك أدعى لكسب ثقة طلابه ومحبتهم له.
لقد عشت قرابة أربعين عامًا معلمًا ومربيًا، وإن أنس، لا أنسى ذلك المعلم الذي أخطأ في قراءة حديث، فلما رده بعض الطلاب أصرَّ على خطئه، وجعل يجادل بالباطل، فسقط هذا المعلم في نظر طلابه، ولم يعد موضع ثقتهم.
ولا أزال أذكر بعض المعلمين الصادقين الذين كانوا يعترفون بخطئهم، ويتراجعون عنه، لقد أحبهم الطلاب، وازدادت ثقتهم بهم، وأصبحوا موضع إجلال وإكبار.
فحبذا لو سار المعلمون جميعًا سير هؤلاء ونهجوا نهجهم في الرجوع إلى الحق.
٨ - الصدق والوفاء بالوعد:
على المعلم أن يلتزم الصدق في كلامه، فإن الصدق كله خير، ولا يربي تلاميذه على الكذب، ولو كان في ذلك مصلحة تظهر له:
حدث أن سأل أحد الطلاب معلمه مستنكرًا تدخين أحد المعلمين، فأجابه المعلم مدافعًا عن زميله، بأن سبب تدخينه هو نصيحة الطبيب له، وحين خرج التلميذ من الصف قال: إن المعلم يكذب علينا.
وحبذا لو صدق المعلم في إجابته، وبين خطأ زميله، بأن التدخين حرام، لأنه مضر بالجسم، مؤذ للجار، متلف للمال، فلو فعل ذلك لكسب ثقة الطلاب وحبهم، ويستطيع أن يقول هذا المعلم إلى طلابه: إن المعلم فرد من الناس تجري عليه الأعراض البشرية، فهو يصيب ويخطىء، وهذا نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يقرر ذلك في حديثه قائلًا:(كل بني آدم خطاء، وخيرُ الخطائين التوابون). "حسن رواه أحمد"
لقد كان بإمكان المعلم المسئول أن يجعل سؤال الطالب عن تدخين معلمه درسًا لجميع الطلبة، فيفهمهم أضرار التدخين، وحكمه الشرعي، وأقوال العلماء فيه، وأدلتهم، فيكون بذلك قد استفاد من سؤال الطالب واستعمله في التربية والتوجيه. قال - صلى الله عليه وسلم -: