للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمثلة على نزوله بالتدريج]

١ - نزلت سورة الأنعام -وهي مكية- تبين أصول الإِيمان، وأدلة التوحيد، وتحذر من الشرك، وتوضح ما يحل وما يحرم: قال الله تعالى:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. [الأنعام: ١٥١]

ثم نزل بعد ذلك تفصيل هذه الأحكام في المدينة، كآية المداينة، وتحريم الربا، وأصل الزنى حُرم بمكة: يقول الله تعالى:

{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}. [الإسراء: ٣٢]

والعقوبات المترتبة عليه نزلت بالمدينة.

٢ - وأوضح مثال لذلك التدرج في التشريع تحريم الخمر، فقد نزل قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}. [النحل: ٦٧]

فإنه وصف الرزق بالحسن دون السَّكَر إشارة إلى ذم الخمر، ثم نزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}. [البقرة: ٢١٩]

فقارنت الآية بين منافع الخمر الوقتية، وبين مضارها في إثم تعاطيها وما ينشأ عنه من ضرر الجسمِ، وفساد العقل، وضياع المال، وإثارة لبواعث الفجور

والعصيان، ثم نفَّرت الآية من الخمر بترجيح المضار على المنافع. ثم نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}. [النساء: ٤٣]

فعرفوا تحريمه وقت الصلوات ثم نزل قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. [المائدة: ٩٠]

٣ - ويوضح هذه الحكمة ما قالته عائشة -رضي الله عنها-:

"إنما نزل أول ما نزل سورة مِن المفَصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب

الناس إلى الإِسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء "لا تشربوا الخمر" لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل "لا تزنوا" لقالوا: لا ندَع الزنا أبدًا". [أخرجه البخاري]

<<  <  ج: ص:  >  >>