الأول: أنه كان من جنس همها، فلولا أن الله تعالى عصمه لفعل.
الثاني: أنها همَّت به أن يفترشها، وهمَّ بها، أي: تمناها أن تكون له زوجة.
الثالث: أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا: ولقد همَّت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها فلما رأى البرهان لم يقع منه الهم، فقدم جواب (لولا) عليها، كما يقال: قد كنت من الهالكين، لولا أن فلانًا خلَّصك.
الرابع: أنه هَمَّ أن يضربها ويدفعها عن نفسه، فكان البرهان الذي رآه من ربه أن الله أوقع في نفسه أنه إن ضربها كان ضربه إياها حجة عليه، لأنها تقول: راودني فمنعته فضربني. (ذكره ابن الأنباري). [انظر زاد المسير لابن الجوزي ج ٤/ ٢٠٣]
أقول: اختار هذا القول الأخير الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار، واختاره أبو بكر الجزائري حين قال:
(ولقد همَّت به. وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه) أي همَّت بضربه لامتناعه عن إجابتها لطلبها بعد مراودات طالت مدتها، وهمَّ هو بضربها دفعًا لها عن نفسه، إلا أنه أراه الله برهانًا في نفسه، فلم يضربها (١)، وآثر الفرار إلى خارج البيت، ولحقته تجرى وراءه لترده. [انظر أيسر التفاسير ج ٢/ ٣٩١]
أقول ١ - : هذا القول هو الذي دل عليه السياق وهو الآية التي قبلها، قوله:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}[يوسف: ٢٣]
(١) أقول: لذلك وجب الوقف على قوله {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} ثم يبتدىء بقوله: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} ليفهم القارىء أن الهم لم يقع من يوسف.