للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكافي هو الله وحده]

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ٦٤] ذكر ابن القيم رحمه الله في تفسيرها أقوال:

١ - أي الله وحده كافيك، وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد.

٢ - إن {حَسْبُكَ} في معنى كافيك، أي: الله يكفيك، ويكفي من اتبعك كما

تقول العرب: "حسبك وزيدًا درهم" وهذا أصح التقديرين:

أي: ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله.

٣ - المعنى: حسبك الله وأتباعك، وهذا إن قاله بعض الناس فهو خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه، فإن الحسب والكفاية لله وحده، كالتوكل، والتقوى، والعبادة.

قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ٦٢]

ففرَّق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب لله وحده، وجعل التأييد له بنصره، وبعباده. وأثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده، حيث أفرده، بالحسب، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣]

ولم يقولوا حسبنا الله ورسوله.

فإذا كان قولهم، ومدح الرب تعالى لهم بذلك، فكيف يقول لرسوله: الله

وأتباعك حسبك؟ وأفراده قد أفردوا الرب تعالى بالحسب، ولم يشركوا بينه وبين رسوله فيه، فكيف يشرك بينهم وبينه في حسب رسوله؟ هذا من أمحل المحال، وأبطل الباطل.

ونظير هذا قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: ٣٦]

والحسب هو الكافي، فأخبره سبحانه وتعالى أنه وحده كاف عبده، فكيف يجعل أتباعه مع الله في هذه الكفاية؟

والأدلة الدالة على بطلان هذا التأويل أكثر من أن نذكرها هنا.

[ويقصد المعنى الثالث]. [انظر زاد المعاد لابن القيم ج ١/ ٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>