للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التحذير من البدع في الدين]

قال الله تعالى في حق عيسى عليه السلامِ:

{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ..} [الحديد: ٢٧]

{رهبانية} منصوب بابتدعوها أي وابتدعوا رهبانية، فالوقف التام على قوله:

{ورحمة} ثم يبتدىء {ورهبانية ابتدعوها} أي لم نشرعها لهم، ولم نكتبها

عليهم، بل هم ابتدعوها من عند أنفسهم. [وهم الرهبان من النصارى].

وفي نصب قوله: {إلا ابتغاء رضوان الله} ثلاثة أوجه:

فالصواب: أنه منصوب نصب الاستثناء المنقطع، أي: لم يفعلوها ولم يبتدعوها إلا لطلب رضوان الله ودل على هذا قوله: {ابتدعوها} ثم ذكر الحامل لهم والباعث على ابتداع هذه الرهبانية، وأنه طلب رضوان الله؛ ثم ذمهم بترك رعايتها. [انظر مدارج السالكين ج ٣/ ٣٢]

وعلق الشيخ حامد الفقي على هذا الكلام بقوله:

والظاهر من سياق الآية مع ما قبلها وما بعدها: أن الله سبحانه وتعالى يقصد إلى ذم الابتداع في الدين، ويبين أنه مناف للفطرة، وأن كل من ابتدع بدعة فإن مقتضى الفطرة أن يهن ويضعف عن القيام بها، لأنها مخالفة ومجافية للفطرة والعقل السليم. فأما الدين الذي شرعه الله الرب العليم الحكيم لِإتمام النعمة على عباده، فإنه لِإصلاح الإِنسانية وأخذها إلى الصراط المستقيم بفطرة الله التي فطر الناس عليها.

والرهبانية: وهي حرمان الطبيعة البشرية من حقوقها الفطرية في النساء والطعام

واللباس والراحة والنوم ونحوها منافية للفطرة، فمحال أن يقدر الإِنسان على الوفاء بها ورعايتها حق الرعاية.

ولذلك غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد الغضب على منِ حاول ذلك، وقال الله تعالى: {قُل مَن حَرمَ زِينَةَ الله ائَتي أخَرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَيبَاتِ مِنَ الرزق}. [الأعراف ٣٢]

وذكر في كثير من الآيات أنها من وحي الشيطان إلى أوليائه والله أعلم.

[انظر هذا التعليق في كتاب التفسير القيم لابن القيم ص ٤٨٦]

أقول: لقد تشبه بعض الصوفية بالرهبان، فلبسوا الصوف، وحرموا أنفسهم من

الطيبات، مخالفين القرآن وهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>