للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله، وهو الذي لا يخرج من الملة، فقد تقدم أن تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- لقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-:

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. قد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله -رضي الله عنه- في الآية: (كفر دون كفر) وقوله أيضاً: (ليس بالكفر الذي تذهبون اليه) إ هـ. وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية، بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق مع اعترافه على نفسه بالخطأ.

وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة، فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، واليمين الغموس، وغيرها، فإن معصية سماها الله في كتابه: كفراً، أعظم من معصية لم يسمها كفراً، نسأل الله أن يجمع المسلمين على التحاكم الى كتابه، انقياداً ورضاءً، إنه ولي ذلك والقادر عليه" (انظر تحكيم القوانين)

[كيف تعظم الذنوب]

اعلم أن الذنوب تكبر بأسباب:

١ - منها الإصرار والمواظبة: ولذلك قيل لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار.

٢ - ومنها أن يستصغر الذنب: فإن الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله تعالى وكلما استصغره كبر عند الله تعالى لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه، وكراهيته له. وذلك النفور يمنع من شدة أثره به واستصغاره يصدر عن الأُلف به، وذلك يوجب شدة الأثر في القلب، والقلب هو المطلوب تنويره بالطاعات والمحذور تسويده بالسيئات، وقد جاء في الأثر"المؤمن يرى ذنبهُ كالجبل فوقه يخاف أن يقعَ عليه، والمنافق يرى ذنبه كَذُبابٍ مرَّ على أنفه فأطاره" (رواه البخاري)

٣ - ومنها السرور بالذنب والفرح والتبجح (١): واعتداد التمكن من ذلك نعمة، والغفلة عن كونه سبب الشقاوة، فكلما غلبت حلاوة الذنوب عند العبد كبرت المعاصي وعظم أثرها في تسويد قلبه، حتى إن من المذنبين من يمتدح بذنبه ويتبجح به، لشدة فرحه بمقارفته (٢) إياه، كما يقول: أما رأيتني كيف مزقتُ


(١) التبجح: الفخر.
(٢) مقارفته الذنوب: مباشرتها وإرتكابها.

<<  <  ج: ص:  >  >>