وقد فسر ابن القيم قوله تعالى:{الله نَور السموات والأرض}:
بكونه مُنوراً السموات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى
أهل السموات والأرض، وهذا إنما هو فعله وإلا فالنور هو من أوصافه قائم به، ومنه اشتق له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى.
[إعلام الموقعين لابن القيم ج ١/ ١٨٥]
وضرب الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلاً بالمشكاة، وهي الكوة في الحائط، فهي مِثل الصدر، وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفي الزجاج، حتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه. وهي مِثل القلب، وشبه بالزجاجة لأنها جمعت أوصافاً هي في قلب المؤمن، وهي الصفاء والرقة والصلابة، فيرى الحق والهدى بصفائه، وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته، ويجاهد أعداء الله تعالى ويَغلظ عليهم، ويَشتد في الحق، ويصلب فيه بصلابته، ولا تُبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها، بل تساعدها وتعاضدها كما قال الله تعالى في وصفهم:
{أشِداء على الكفار، رحماء بينهم}. [الفتح ٢٩]
وفي الزجاجة مصباح، وهو النور الذي في الفتيلة، وهي حاملته، ولذلك النور مادة، وهو قد عصر من زيتونة في أعدل الأماكن تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فزيتها من أصفى الزيت، وأبعده عن الكدر، حتى إنه ليكاد من صفائه يضيء بلا نار، فهذه مادة نور المصباح.