وكذلك مادة نور المصباح الذي في قلب المؤمن: هو من شجرة الوحي التي هي أعظم الأشياء بركة، وأبعدها عن الإنحراف، بل هي أوسط الأمور وأعدلها وأفضلها، لم تنحرف انحراف النصرانية، ولا انحراف اليهودية، بل هي وسط بين الطرفين المذمومين في كل شيء. فهذه مادة مصباح الإِيمان في قلب الؤمن.
ولما كان ذلك الزيت قد اشتد صفاؤه، حتى كاد أن يضيء بنفسه، ثم خالط النار، فاشتدت بها إضاءته، وقويت مادة ضوء النارية فيه كان ذلك نوراً على نور.
وهكذا المؤمن: قلبه مضيء يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله، ولكن لا مادة له من نفسه، فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه، فازداد نوراً بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه، فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة.
فليتأمل اللبيب هذه الآية العظيمة ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة، فقد ذكر
سبحانه وتعالى نورَه في السموات والأرض، ونوره في قلب عباده المؤمنين: النور المعقول المشهود بالبصائر والقلوب، والنور المحسوس المشهور بالأبصار التي استنارت به أقطار العالم العلوي والسفلي، فهما نوران عظيمان، وأحدهما أعظم من الآخر.
وكما أنه إذا فقد أحدهما من مكان أو موضع لم يعش فيه آدمي ولا غيره، لأن الحيوان إنما يكون حيث النور، ومواضع الظلمة لا يشرق عليها نور لا يعيش فيها حيوان ولا يكون البتة.
فكذلك أمة فُقد فيها نورُ الوحي والِإيمان ميتة ولا بُد، وقلبٌ ضد منه هذا النور: ميت ولا بُد، لا حياة البتة، كما لا حياة للحيوان في مكان لا نور فيه.
[انظر تفسير القيم لابن الميم ٣٧٤/ والوابل الصيب ٧٣٦]
وفسر الطبري قوله تعالى: {يهدي الله لنوره مَن يشاء}.
يوفق الله لاتباع نوره، وهو هذا القرآن مَن يشاء مِن عباده.
وقوله تعالى: {ويضربُ الله الأمثالَ للناس} يقول:
ويمثل الله الأمثال والأشباه للناس كما مثل لهم مَثل هذا القرآن في قلب المؤمن بالمصباح في المشكاة وسائر ما في هذه الآية من الأمثال.
{والله بكل شيء عليم} والله يضرب الأمثال وغيرها من الأشياء كلها، ذو علم. [انظر تفسير الطبري ١٨/ ١٤٣]