كنت منذ الصغر أحضر الدروس في المساجد والحلقات للذكر، وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية، فأخذني إلى زاوية المسجد، وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية، ولكن لصغر سني لم أستطع أن أقوم بما أمرني به من الأوراد إلا أنني أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا، وأسمع ما يقولون من القصائد والأناشيد، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع، فيزعجني هذا الصوت المفاجىء في الليل، ويسبب لي الرعب والمرض، وعندما تقدمت في السن بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحي لأحضر معه ما يسمونه (الختم) فكنا نجلس على شكل حلقة، وأحد الشيوخ يوزع علينا الحصى ويقول:"الفاتحة الشريفة، الإِخلاص الشريف" فنقرأ بعدد الحصى سورتي الفاتحة والإِخلاص، والاستغفار، والصلاة على النبي بالصيغة التي يحفظونها، وأذكر منها (اللهم صل على محمد عدد الدّواب) يقولونها جهرًا آخر الذكر وبعدها يقول الشيخ الموكل بالختم: (الرابطة الشريفة) ويقصدون بها أن يتصوروا شيخهم في حال ذكرهم لأن الشيخ يربطهم بالله في زعمهم، فكانوا يهمهمون، ويصيحون، ويعتريهم الخشوع حتى إن أحدهم شاهدته يقفز فوق رءوس الحاضرين من مكان مرتفع من شدة وَجْدِه، كأنه البهلوان فاستغرب هذا التصرف والصياح عند ذكر شيخ الطريقة، ودخلت مرة على بيت قريبي هذا، فسمعت نشيدًا من جماعة الطريقة النقشبندية يقولون فيه:
دلوني بالله دلوني ... على شيخ النصر دلوني
اللي يبري العليل ... ويشفي المجنونا
وقفت على باب البيت، ولم أدخل، وقلت لصاحب البيت: هل الشيخ يُبرىء العليل، ويشفي المجنون؟ قال: نعم، قلت له: الرسول عيسى بن مريم -عليه السلام- الذي أعطاه الله معجزة إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص يقول: بإذن الله، فقال لي: وشيخنا يفعل بإذن الله! قلت له: ولماذا لا تقولون بإذن الله؟!
علمًا بأن الشافي هو الله وحده، كما قال إبراهيم -عليه السلام-: