للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحكم بغير ما أنزل الله كفر]

قال ابن القيم -رحمه الله-: الصحيح: أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغر والأكبر، بحسب حال الحاكم. فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة. فهذا كفر أصغر. وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مُخيَّر فيه. مع تيقنه أنه حكم الله. فهذا كفر أكبر. وإن جهله وأخطأه: فهذا مخطىء، له حكم المخطئين.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- في رسالته القيمة (تحكيم القوانين):

"من الممتنع أن يُسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ولا يكون كافراً، بل هو كافر مطلقاً: إما كفر عمل وإما كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة ٤٤) ومن رواية طاووس وغيره يدل أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة، أما الأول، وهو كفر الأعتقاد فهو أنواع:

أحدها: أن يجحد الحاكم -بغير ما أنزل الله- أحَقيَّةَ حكم الله ورسوله، وهو معنى ما روي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير أن ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإن الأصول المتقررة المتفق عليها بينهم أن من جحد أصلًا من أصول الدين أو فرعاً مجمعاً عليه، أو أنكر حرفاً مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - قطعياً، فإنه كافر الكفر الناقل عن الملة.

الثاني: أن لايجحد الحاكم -بغير ما أنزل الله- كون حكم الله ورسوله حقاً، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحسن من حكمه، وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقاً أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث، التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضاً لا ريب أنه كفر، لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان وصرف حثالة الأفكار، على حكم الحكيم الحميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>