ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول. وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباءً واستكباراً وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، كما قال الله تعالى عن فرعون وقومه:{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}. (سوره المؤمنون الآيه ٤٧)
وقول الأمم لرسلهم:{إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا}. (سورة إبراهيم الآية ١٠)
وقول الله تعالى:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}. (سوره الشمس الآية ١١)
وهو كفر أبي طالب أيضاً. فإنه صدقه ولم يشك في صدقه، ولكن أخذته الحمية، وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم، ويشهد عليهم بالكفر.
٣ - وأما كفر الإعراض: كأن يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يُصدقه ولا
يكذبه. ولا يواليه ولا يعاديه. ولا يُصغي إلى ما جاء به البتة.
(وهو كفر الملحدين اليوم من المتسمَّين بأسماء مختلفة: بالعلمانية، والشيوعية، والماسونية، المقلدين للأفرنج من اليهود والنصارى، المنحلين في كل خلق وفضيلة، زاعمين بجاهليتهم وسفههم: أن هذا هو سبيل الرقي والمدنية).
٤ - وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه، بل يشك في أمره. وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإِعراض عن النظر في آيات صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - جملة. فلا يسمعها ولا يلتفت إليها. وأما مع التفاته إليها، ونظره فيها: فإنه لا يبقى معه شك، لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيما بمجموعها فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار.
٥ - وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإِيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب. فهذا هو النفاق الأكبر. فنعوذ بالله منه.