وكذلك الكفار: مَن بلغه دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الكفر، وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أُنزل عليه، واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره، ولم تمكنه الهجرة إلى دار الإِسلام ولا التزام جميع شرائع الإِسلام، لكونه ممنوعًا من الهجرة وممنوعًا من إظهار دينه، وليس عنده مَن يعلمه جميع شرائع الإِسلام: فهذا مؤمن مِن أهل الجنة، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت امرِأة فرعون، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر، فإنهم كانوا كفارًا ولم يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإِسلام، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإِيمان فلم يجيبوه:
وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإِسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه، فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفًا وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات وقال:
(إن أخًا لكم صالحًا مِن أهل الحبشة مات) وكثير من شرائع الإِسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يُصَل الصلوات الخمس ولم يَصُم شهر رمضان، ولم يُؤد الزكاة الشرعية؛ لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم، ونحن نعلم قطعًا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بالقرآن، والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم
بينهم إلا بما أنزل إليه؛ وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه.
وهذا مِثل الحكم في الزنا للمحصَن بحد الرجم، وفي الديات بالعدل؛ والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع، والنفس بالنفس والعين بالعين، وغير ذلك.
والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرًا