[تحقيق الشهادتين (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)]
قال الإِمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: قال الله تعالى:
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. "الكهف: ١١٠"
هذان الأصلان (١) هما تحقيق الشهادتين اللتين هما رأس الإِسلام:
شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله.
١ - فإن الشهادة لله بأنه لا إله الا هو: تتضمن إخلاص الألوهية له، فلا يجوز أن يتألَّه القلب غيره: لا بحب، ولا خوف، ولا رجاء، ولا إجلال، ولا إكبار، ولا رغبة، ولا رهبة، بل لا بُد أن يكون الدين كله لله .. فإنْ كان بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسبه.
٢ - والشهادة بأن محمدًا رسول الله: تتضمن تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه. كما يجب على الخلق أن ثبتوا ما أثبته الرسول لربه من الأسماء والصفات، وينفوا عنه ما نفاه عنه من مماثلة المخلوقات وعليهم أن يفعلوا ما أمرهم به، وينتهوا عما نهى عنه، ويُحلوا ما أحله ويحرموا ما حرمه، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله، ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله، ولكونهم شرعوا دينًا لم يأذن به الله .. وقد قال تعالى لنبيه:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} "الأحزاب: ٤٦"
فأخبره بأنه أرسله داعيًا إليه بإذنه:
فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك، ومَن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع، والشرك بدعة، والمبتدع يَؤول إلى الشرك.
ولم يوجد مبتدع إلا مر فيه نوع من الشرك كما قال تعالى:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. "التوبة آية: ٣١"
وكان مِن شركهم: أنهم أحَلّوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال
(١) العمل الصالح، وعدم الشرك بالعبادة حسب فهم الآية.