إن القارىء لسيرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - يرى أن حادثة الإِسراء والمعراج قد سبقتها أحوال قاسية، وحوادث أليمة، أحاطت بالرسول من كل جانب واعترضت سبيل دعوته وسببت له مشاكل كثيرة، لو حصلت لغيره من الدعاة والمصلحين لأوهنت قواهم وأعاقتهم عن دعوتهم، ولكن ما في الرسول - صلى الله عليه وسلم - من شجاعة وصبر، وإيمان بصدق دعوته جعله يستهين بكل ما يحصل له ويعترض طريقه، ولعل في هذا درساً عملياً مفيداً للدعاة والمصلحين من حملة رسالته ليقتدوا به، ويستهينوا بالصعاب التي تعترض سبيلهم.
وأهم هذه الحوادث الأليمة التي سبقت إسراءه - صلى الله عليه وسلم - ثلاث:
١ - موت عمه أبي طالب:
لا شك أن أبا طالب كان نصيراً لابن أخيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وحامياً له، حيث لم يجرؤ أحد أن يُلحِق بالنبي أذىً شديداً إلا بعد موت عمه، إذ وجد الكفار فرصة سانحة للإستخفاف بشأنه والإِمعان في إيذائه - صلى الله عليه وسلم -.
٢ - خروجه إلى الطائف:
لقد ضاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمشركين في مكة ذَرْعاً بعد كل هذا التكذيب والإِيذاء الذي صدر منهم له، فكان لا بد له من الإِنتقال إلى بلد آخر لنشر الدعوة فيه.
وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف أقرب بلد إلى مكة، وله فيها أقارب وأرحام لعله يستعين بهم على المشركين في بلده، وعسى أن يجد منهم عطفاً عليه؛ وتصديقاً لدعوته، وتسلية لمصابه، وإكراماً لضيافته؛ ولكن الأمر كان على العكس تماماً؛ إذ ما كاد يعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم دعوته حتى خفّوا لتكذيبه وإخراجه من بلدهم، ولم يكتفوا بذلك حتى سلَّطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم يقذفونه بالحجارة مما أدمى قدميه، ولم يعد يستطيع متابعة السير عليهما، فجلس قرب بستان لأحد أعدائه؛ وقد أسند ظهره إلى حائط، يمسح الدم بيده بعد أن أنهكه التعب والجوع والجراح؛ وإذا بملَك الجبال يهبط من السماء وَيعْرِض عليه أن يطبق عليهم