وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، نصاً وظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، عَلم ذلك من عَلمه وجَهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من تَغَيُّر الفتوى بتغير الأحوال ما ظنه مَن قَلَّ نصيبهم أو عُدم من معرفة مدارك الأحكام وعللها، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية وتصوراتهم، الخاطئة الوبيئة، ولهذا تجدهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها، مهما أمكنهم، فيحرفون لذلك الكلم عن مواضعه، وحينئذ معنى تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مراد العلماء منه: ما كان مستصحبه فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جنسها مراد الله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن المعلوم أن أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بمعزل، وأنهم لا يقولون إلا على ما يلائم مراداتهم، كائنة ما كانت، والواقع أصدق شاهد.
الثالث: أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين اللذين قبله، وفي كونه كافراً الكفر الناقل عن الملة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ونحوها من الآيات الكريمة الدالة على تفرد الرب بالكمال، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقين، في الذات والصفات والأفعال، والحكم بين الناس فيما يتنازعون فيه.
الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله. فضلا عن أن يعتقد كونه أحسن منه. لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه: لاعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه.
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله، وتشكيلًا وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستمدات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة،