عرضه؟ وكيف ذكرتُ مساويه حتى أخجلتهُ؟ وكيف استخففت به؟ وكيف لبَّست عليه؟ ويقول المعامل في التجارة: أما رأيت كيف روّجت عليه الزائف؟ وكيف خدعته؟ وكيف غبنته في ماله؟ وكيف استحمقته؟ فهذا وأمثاله تكبر به الذنوب، فإن الذنوب مهلكات، وإذا دُفع العبد إليها، وظفر الشيطان به في الحمل عليها، فينبغي أن يكون في مصيبة وتأسف بسبب غلبة العدو عليه، وبسبب بعده من الله تعالى. فالمريض الذي يفرح بأن ينكسر إناؤه الذي فيه دواؤه حتى يتخلص من ألم شربه، لا يُرجى شفاؤه.
٤ - ومنها أن يتهاون بستر الله عليه: وحلمه عنه، وإمهاله إياه، ولا يدرى أنه إنما يُمهل مقتاً ليزداد بالإِمهال إثماً. فيظن أن تمكنه من المعاصي عناية من الله تعالى به. فيكون ذلك لأمنه من مكر الله، وجهله بمكامن الغرور بالله:
كما قال الله تعالى:{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. (المجادلة ٨)
٥ - ومنها أن يأتى الذنب ويظهره بأن يذكره بعد إتيانه: أو يأتيه في مشهد غيره، فإن ذلك جناية منه على ستر الله الذي سدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه ذنبه، أو أشهده فعله. فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته، فغلظت به، فإن أضيف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه، وتهيئة الأسباب له، صارت جناية رابعة، وتفاحش الأمر. وفي الحديث:"كل أمتي معافى إلا المجاهرين". (متفق عليه)
المسلم إذا أذنب ذنباً ولم يجهر به ستره الله عليه وأمره إلى الله تعالى، وهذا لأن من صفات الله ونعمه أنه يظهر الجميل ويستر القبيح، ولا يهتك الستر، فالإِظهار كفران لهذه النعمة.
وقال بعضهم: لا تذنب، فإن كان ولا بد فلا تُرغّب غيرك فيه فتذنب ذنبين: ولذلك قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}. (التوبة ٦١)
وقال بعض السلف: ما انتهك المرء من أخيه حرمة أعظم من أن يساعده على معصية، ثم يُهونها عليه.
٦ - ومنها أن يكون المذنب عالماً يُقتدى به: فإذا فعله بحيث يُرى ذلك منه كبر ذنبه،