إضافة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مُقَدِّره، وبهذا يزول ما يوهم الاختلاف بين الآيتين لانفكاك الجهة.
٣ - ويقولون في المثال الثالث: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقع منه شك فيما أُنزل إليه بل هو أعلم به وأقواهم يقيناً كما قال الله تعالى {قل يا أيها الناس إن كنتم في شَكٍ مِن ديني فلا أعبدُ الذين تعبدون مِن دون الله} الآية. [سورة يونس١٠٤]
المعنى إن كنتم في شك منه فأنا على يقين منه ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله بل أكفر بهم وأعبد الله.
ولا يلزم من قوله: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} أن يكون الشك جائزاً
على الرسول - صلى الله عليه وسلم - واقعاً منه، ألا ترى قوله تعالى:
{قل إنْ كان للرحمن ولَدٌ فأنا أولُ العابدين}. [الزخرف ٨١]
هل يلزم منه أن يكون الولد جائزاً على الله تعالى أو حاصلاً؟
كلا، فهِذا لم يكن حاصلاً ولا جائزاً على الله تعالى، قال الله تعالى:
{وَمَا يَنبغِيِ لِلرَّحمن أن يَتَّخِذَ وَلَداً، إِنْ كُلُّ مَن في السَّمَوَاتِ وَالأرضِ إِلاءَاتِى
الرَّحَمنِ عَبداَ}. [سوره مريم ٩٢ - ٩٣]
ولا يلزم من قوله تعالى: {فلا تكونَن من الممترين} أن يكون الامتراء واقعاً من
الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن النهي عن اليء قد يوجه إلى من لم يقع منه، ألا ترى قوله تعالى: {ولا يصدُنَّك عن آياتِ الله بعد إذ أنزلَتْ إليك وادعُ إلى ربك ولا تكونن من المشركين}. [القصص ٨٧]
المعلوم أنهم لم يصدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن آيات الله وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقع منه شرك؛ والغرض من توجيه النهي إلى من لا يقع منه التنديد بمن وقع منهم والتحذير من منهاجهم، وبهذا يزول الاشتباه وظن ما لا يليق بالرسول - صلى الله عليه وسلم -. [انظر كتاب أصول في علم التفسير للشيخ محمد صالح العثيمين]