ثم ذكر السبب بطوله وخلاصته: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له:"يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله"، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك". فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-:
وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
{إِنَكَ لَا تَهدِي مَن أحببَت}. [القصص]
قوله:"لما حضرت أبا طالب الوفاة" المراد قربت وفاته وحضرت دلائلها، وذلك قبل المعاينة والنزع، ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإِيمان.
[انظر صحيح مسلم ج ١/ ٥٤]
أقول: في هذه الآية، وهذا الحديث يثبت أن أبا طالب مات كافراً، وفيه رد صريح على القائلين بنجاة أبي طالب.
ولا سيما ما رواه العباس بن عبدالمطلب أنه قال: يا رسول الله هل نفعتَ أبا طالب بشيء؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال:"نعم. هو في ضحضاح من نار. ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار". [رواه مسلم]
وفي رواية:"فيُجعل في ضَخضاح من نار، يبلغ كعبيه، يَغلي منها دماغه".
[رواه مسلم]
٤ - ومعنى الهداية الواردة في الآية:{إنك لا تهدي من أحببت} هي هداية التوفيق الخاصة بالله، أما الهداية بمعنى دعوة الناس إلى الإِسلام فهي عامة في حق الله والرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكل داع، وقد قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدعاء أبي طالب لهدايته وإسلامه، فأبى الإِسلام ومات كافراً، فنزلت الآية. ونحن نقوم بدعوة الناس إلى هدايتهم، فإذا أعرضوا ندعوا لهم بهداية التوفيق، ولا يجوز أن نترك دعوتهم، ونحتج بهذه الآية إلا في حادثة شبيهة بحادثة أبي طالب، كأن ندعوَ كافراً إلى الإِسلام فيأبى ويموت كافراً.