أقول: والعجيب أن يقول هذا القول الطبري وغيره من المفسرين مع ضعف أدلته النقلية والعقلية.
٣ - وقال ابن حزم في (الفصل): ما حكاه تعالى عن داود -عليه السلام- قول صادق صحيح، لا يدل على شيء مما قاله المستهزئون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولَّدها اليهود. وإنما كان ذلك الخصم قومًا من بني آدم بلا شك مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم. بغى أحدهما على الآخر (على نص الآية).
ومن قال إنهم كانوا ملائكة مُعَرِّضين بأمر النساء، فقد كذب على الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقوَّله ما لم يقل، وزاد في القرآن ما ليس فيه. .
تالله إن كل امرىء منا ليصون نفسه وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره، ثم يعرض زوجها للقتل عمدًا ليتزوجها.
٤ - وقال البقاعي في تفسيره: وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود. وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود -عليه السلام-، لأن عيسى -عليه السلام- من ذريته، ليجدوا سبيلًا إلى الطعن فيه، انتهى.
ثم قال: وقوله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} أي الوقوع في الحديث عن إسناد الظلم إلى أحد بدون سماع لكلامه. وهذه الدعوى تدريب لداود -عليه السلام- في الأحكام. وذكرها للنبي - صلى الله عليه وسلم - تدريب له في الأناة في جميع أموره على الدوام. ولما ذكر هذا ربما أوهم شيئًا في مقامه - صلى الله عليه وسلم - فدفعه بقوله:{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} فالقصة لم يجر ذكرها إلا للترقية في رتب الكمال. وأول دليل على ما ذكرته،
أن هذه الفتنة إنما هي تدريبًا في الحكم، لا بامرأة ولا غيرها، وأن ما ذكره من
قصة المرأة باطل وإن اشتهر، فكم من باطل مشهور ومذكور، وهو عين الزور.