٣ - والأهم من ذلك قول المفسرين:{فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قطع سوقها وأعناقها حيث فسروا المسح بالقطع: وهذا لا دليل عليه، ولا سيما أن فيه تعذيبًا للحيوان وإتلافًا للمال.
والأولى أن نحمل الآية على ظاهرها، فقد نقل الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى:{فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}:
يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبًا لها.
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية، لأن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويُهلك مالاً من ماله بغير سبب.
(العرقبة: قطع أرجل الخيل). [انظر تفسير الطبري ج ٢٣/ ١٥٦]
٤ - أقول: هذا التفسير لابن عباس هو الصحيح، ويمكن القول بأن سليمان عليه السلام كان يُجري استعراضًا عسكريًا للخيل لمحبته لها فلما مرت أمامه، وغابت عن نظره أمر بإعادتها وردها، فجعل يمسح التراب والعرَق عن سوقِها وأعناقها مِن أثر الغبار الذي لحقها، كما يفعل الآن من عنده الخيل.
٥ - وقال ابن حزم: تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة، خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة. قد جمعت أفانين من القول، لأن فيها معاقبة خيل لا ذَنب لها، والتمثيل بها، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى؛ ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها!!
وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حُب الخير من أجل ذكر ربه حتى توارت
الشمس، أو تلك الصافنات بحجابها، ثم أمر بردها فطفق مسحًا بسوقها
وأعناقها بيده برًا بها وإكرامًا لها، وهذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره، وليس فيها إشارة أصلًا إلى ما ذكره من قتل الخيل وتعطيل الصلاة، وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين. فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
٦ - وقال الفخر الرازي في الآية: إن رباط الخيل كان مندوبًا إليه في دينهم، كما أنه كذلك في دين الإِسلام. ثم إن سليمان -عليه السلام- احتاج إلى الغزو، فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه. وهو المراد من قوله: