"أكره أن يُتوسل إلى الله إلا بالله" كما تقدم.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ونعود لنقول: إن كل مخلص منصف ليعلم علم اليقين بأننا والحمد لله من أشد الناس حُبًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أعرفهم بقدره وحقه وفضله - صلى الله عليه وسلم -، وبأنه أفضل النبيين، وسيد المرسلين، وخاتمهم وخيرهم، وصاحب اللواء المحمود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى، والوسيلة والفضيلة، والمعجزات الباهرات، وبأن الله تعالى نسخ بدينه كل دين، وأنزل عليه سبعًا من المثاني والقرآن العظيم، وجعل أُمته خير أُمة أخرجت للناس. إلى آخر ما هنالك من فضائله - صلى الله عليه وسلم - ومناقبه التي تبين قدره العظيم، وجاهه المنيف صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أقول: إننا -والحمد لله- من أول الناس اعترافًا بذلك كله، وإن منزلته - صلى الله عليه وسلم - عندنا محفوظة أكثر بكثير مما هي محفوظة لدى الآخرين، الذين يدعون محبته، ويتظاهرون بمعرفة قدره، لأن العبرة في ذلك كله إنما هي في الِإتباع له - صلى الله عليه وسلم -، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه وتعالى:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} "سورة آل عمران: آية ٣١"
ونحن بفضل من الله من أحرص الناس على طاعة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهما أصدق الأدلة على المودة والمحبة الخالصة بخلاف الغلو في التعظيم، والإِفراط في الوصف اللذين نهى الله عنهما، فقال سبحانه:
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ}. "سورة النساء: آية ١٧"
كما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهما فقال: (لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله). "رواه البخاري، والترمذي في الشمائل"
ومن الجدير بالذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل من الغلُو في الدين أن يختار الحاج إذا أراد رمي الجمرات بمنى الحصوات الكبيرة وأمر أن تكون مثل حصى الخذف.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة:
"هاتِ ألْقط لي. قال فلقطت له نحو حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: مثل هؤلاء -ثلاث مرات- وإياكم والغلُو في الدين، فإنما هلك مَن كان قبلكم بالغلُو في الدين" "صحيح رواه أحمد وغيره"
ذلك لأنه يعدُّ مسألة رمي الجمار مسألة رمزية الغرض منها نبذ الشيطان ومحاربته، وليس