فقال ابن أبي عيسى لفرط ركنه: أنا أقول لكم: أما أنا، فقاض. أو كاتب قاض. وأما أنت يا أبا عمر، فلا تنفعك منافية عمرك. وأما أنت يا أبا عبد الله: فأراك تثير بالأندلس فتنة، تبقى آخر الدهر. أو كما قال. فصدقت فراسته، في ثلاثتهم كما ذكر. قال ابن الفرضي: وكان حافظاً للرأي، معتنياً بالآثار، جامعاً للسنن، متصرفاً في علم الإعراب، ومعاني الشعر: شاعراً مطبوعاً. وشاور أحمد بن بقي، ثم استقضاه الناصر، ببجاية وطليطلة وجيان، وصرفه في غير أمانة، فاصطدم بما استكفى. وكان آخر ما ولاه: قضاء البيرة. وقلده مع القضاء، أمانة الكور والنظر على عمالها. فكانوا لا يقدمون ولا يؤخرون إلا عن أمره. ولا يظلم أحد في جانب الكور، إلا نصره، وقام معه. ثم نقله منها فولاه قضاء الجماعة بقرطبة، في ذي الحجة. سن ست وعشرين وثلاثماية. وأقر محمد بن أيمن على الصلاة، الى أن ضعف ابن أيمن. فاستعفاه، فأعفاه. وجمعهما لابن أبي عيسى، فتولاهما الى أن مات. قال ابن الحارث في كتاب القضاة: ولم يزل محمد بن عيسى في حداثة سنه، مشهوراً بفضل. ظاهر السؤدد. طالباً للعلم. مجمعاً على تفضيله. ولقد جالسته غير ما مرة. فرأيته محمود التصرف، جميل المذهب، كريم الأخلاق.