فقدم بعد موتهم من الغابة إلى المدينة فلم يتخلف عنه أحد فحضرته يوماً وهو يتحدث وعنده خلق كثير وهو يبكي ويقول: رأيت في هذه الليلة كأني في موضع نخيل وبساتين وخضرة وقصور وأنهار تجري فاعتمدت إلى قصر رأيت أنه أفضلها، فلما ذهبت لأدخله إذا على بابه إنسان فمنعني الدخول وقال: حتى استأذن لك، فذهب ثم أذن لي، فأدخلني، إذا بقصر لم ير الراؤون مثله حسنا، وإذا فيه مالك بن أنس جالس وسطه وفي حجره مصحف وعليه ثياب خضر أحسن ما تكون، فلما وقفت سلمت عليه وقلت: قدمت؟ قال: بلى.
قلت: فيم صرت إلى هاهنا؟ قال: بعفو الله وتجاوزه عني وسعة رحمته لا بعملي.
قلت: فما رأيت في شأن العلم؟ قال أكثر ما نجونا بالتوقف عنه.
قلت: ابن زيد بن أسلم؟ وفي رواية عبد الرحمان بن زيد بن أسلم.
فرفع رأسه إلى السماء وأشار بإصبعه وقال: هيهات ذلك في عليين مع البكائين.
فلم تزل رؤياه في رقعة بين يديه مع أجوبتهم له يقرأها للناس ويبكي ويترحم على مالك في كل مجلس.
وعن بشير بن بكر: رأيت أو رأى الأوزاعي والثوري وهما في الجنة، فقلت أين مالك؟ فقال لي: إن مالكاً في أعلى ورفع رأسه حتى سقطت قلنسوته.