للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنه محمد: وتخاصم إليه رجلان صالحان من أصحابه، ممن نظر في العلم، فأقامهما، وأبى أن يسمع منهما. وقال استرا عني ما ستر الله عليكما. قال غير واحد: أول ما نظر سحنون في الأسواق، وإنما كان ينظر فيها الولاة دون القضاة. فنظر فيما يصلح من المعاش، وما يغش من السلع، ويجعل الأمناء على ذلك، ويؤدب على الغش، وينفي من الأسواق من يستحق ذلك، وهو أل من نظر في الحسبة من القضاة، وأمر الناس بتغيير المنكر، وأول القضاة فرق حلق أهل البدع، وشرد أهل الأهواء منه. وكانوا فيه حلقاً. من الصفرية والإباضية المغيرية، وكانوا فيه حلقاً. يتناظرون فيه. ويظهرون زيفهم. وعزلهم أن يكونوا أئمة للناس، أو معلمين لصبيانهم. أو مؤذنين. وأمرهم أن لا يجتمعوا. وأدب جماعة منهم بعد هذا، خالفوا أمره، وأطافوا، وتوب جماعة منهم، فكان يقيم من أظهر التوبة، منهم علي البوا كذا وغيره، فيعلن بتوبته عن بدعته. وهو أول القضاة جعل في الجامع إماماً يصلي بالناس. وكان ذلك للأمراء. وأولهم جعل الودائع عند الأمناء. وكانت قبل في بيوت القضاة. وأول من قدم الأمناء في البوادي، فكان يكتب إليهم، وكان من قبله يكتب إلى جماعة من الصالحين، منهم. فأخذت القضاة هذه السيرة بعده، وكان يجلس في بيت الجامع، بناه لنفسه. إذ رأى كثرة الناس وكثرة كلامهم. فكان لا يحضر عنده غير الخصمين. ومن يشهد بينهما في دعواهما. وسائر الناس عنه بمعزل لا يراهم ولا يسمع لغطهم، ولا يشغل باله أمرهم فصار الجلوس في ذلك البيت سنة لقضاة المالكية. فإذا ولي عراقي، هدمه. وإذا ولي مدني، بناه، وحكم فيه. وكان سحنون يكتب للناس أسماءهم في رقاع، تجعل بين يديه، ويدعو بهم واحداً واحداً إلى أن يأتي مضطر أو ملهوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>