للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذاك أرى الأشياء إما حقيقة ... بدت لي وإما حلم مستيقظ حلم

بذلك أشعر ولكن هل بحت به لها؟ كلا. وهل لو بحت به استطاعت أن تفهمه وتدركه؟ كلا. إنما أطلب العنقاء. وأخاطب الهواء وأصيح بالصحراء. وأعكف على دمية خرساء. وما كان نظر المرء إلى الجمال بجاعله جميلاً ولا ضناه في الحب بمستجلب عليه حب من يهوى. ولقد طالما جنحت إلى تعظيم قوة الحب وسلطانه وحسبت أنه ليس من شأن تلك القوة اللذيذة إلا الجمع بين الجميل والجميل والظريف والظريف. والمغرم والمغرم والمشغوف والمشغوف. وإنه لا يمتع بمناعمه. ويفوز بغنائمه إلا من يحمل في حشاه وجدانه وفي وجهه عنوانه. عشقاً مضمراً. وحسناً ظاهراً. ووجداً مستوراً. وجمالاً مشهوراً. وإذ كنت لست بالقسيم الوسيم وقفت أنظر إلى مواقف الحب ومواطن الغرام من بعد ويحجم بي أني لست من رجاله وأنه لم يك لمن أوتى قبح صورتي أن يدخل في زمرة القوم الحسان وما كان للغراب أن يندمج في سلك الطواويس. ولا للحنظل أن يرى نابتاً بين ريحان الفراديس وإني لا أريد أن أشوه بوجودي ذلك النادي البهي. والمحفل الوضي. أقول كان ذلك ظني زمنا ما. حتى علمت أني في ضلال وأن بعض الظن إثم.

ثم دنوت من مواطن العشق والعشاق فإذا فيهم المقعد والزمن والضرير والمجذوم والأجذم والأبرص والدميم والمشوه والهرم والموهون وقانص اللذات وطالب الدنيا والمبذر الشحيح. والجبان والنذل والدجال واللص والأحمق والغر والغبي والجاهل وكل وغد لئيم أبعد الناس من ذوي الإحسان والحسن وجمال المنظر والمخبر. فلما وجدت كل هؤلاء ينزلون ساحة الحب ومر بخاطري أنه قد يجوز لي أن أحل ذلك الجناب. وألج ذياك الباب. مختفياً به في غمار تلك الجموع المزدحمة والوفودة المحتشدة ثم صممت فمضيت وما بلغت الباب حتى رفضت ورددت. حينئذ علمت أن رفضي وإرجاعي ليس لأني دون القوم بل لأني فوقهم. ولا أنكر أني أسفت (وإن كان أسفي هذا جديراً أن يعد عاراً وسوأة) لحرماني ورفضي عند ما رأيت أن أسفل النوع وأخس الناس الغوغاء والبغاث والحثالة والنفاية كانوا يقدمون علي ويلجون باب ساحة الحب دوني. عند ذلك خيل إلى أني جنس وحدي وإني عالم بذاتي مخالف لهذا العالم السافل. وصرت أفخر بالذي لقيت من الاهانة وأحس اللذة في الألم. وأذوق الشهد في العلقم. وعلمت أن لي مجالاً آخر. وإن حظي ومغنمي في غير تلك