للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليها من كحر ماله ويدأب في العناية بها لا يتني ولا ينثني من اعترضته العقبات وناوأته الصعاب من أمور نفسه ولا يهن ولا يحزن من اعتراه الضعف والتخذيل من أمور الناس، ثم هو مع هذا كله لا ينال من عاقبة الصبر ولا يفيد من جزاء العمل شيء يسمى عوضاً مما بذل، ولا شيء يسمي ربحاً لما أنفق، لأنه إنما يتاجر بعقله في سوق تقل فيها العقول قلة واضحة، وأستغفر الله بل فاضحه.

وما المال الذي يسخر به ويبسط يده فيه ويقرضه ولا يقرضه ليجعل عمله بذلك عملاً إلا إحدى الوسائل في إظهار العقل الذي يتاجر في سوق الأدب بعلمه وتفكيره ونشاطه وقوته، وليس له من وراء ذلك ربح أوفي من أن يوجد في القراء العلم والفكر والنشاط والقوة، أو في القليل حب هذه الصفات العالية، أو في الأقل حب الانتفاع بها، أو في العدم لا حبها ولا بغضها. . . . حتى لا يشكو أصحاب المجلات من أهل المطل وهم الذين لا يحسون شيء من كل ذلك وإن أحسنوا فقهم من الغلظة وخديعة الطبع كأنهم لا يحسون.

وأكثر الناس عندنا: إما ذو مال لا عقل له أو لا عقل له إلا في المال - وذانك بائسان كلاهما في سوق العلم والأدب أفلس من الآخر. وإما ذو عقل ولا مال له وهو حزب الهبوط في سوقنا فلا يتألف إلا من قوم ذوي (عقول وإحساس) وهم الكرام، وهم القليلون، وهم طبقة الفضلاء. فالعقول سبيلهم إلى الرغبة في المجلة النافعة. والإحساس فهو سبيل صاحب المجلة إليهم لا يرهقهم ولا يعنتونه، ولا هو يشكوهم ولا هم يمقتونه، وكلاهما في عون الآخر، وهما جميعاً وهما جميعاً في عون الأمة، وليس بعد الأمة غاية تنتهي إليها محاسن الأخلاق الاجتماعية.

أما غير هذه الطبقة فهم همج هامج، وهم نشر لا نظام لهم وما دخلوا في عمل إلا أفسدوه على صاحبه وكانوا فيه القوة السلبية التي يجهد في رفع إساءتها أكثر مما يجهد في إحسان عمله، ويبتلي من دخائلها بما يغمر ظاهره وباطنه، فلا هم يدعونه يمضي لشأنه خفيفاً مستجمع النشاط مستحصد العزم رخي البال، ولا هم يرفهون عنه بعض أمره بالمعونة. وهم أثقل أمره بقل هم البلاء الحتم والقدر المقضي، وكلما كثروا على صاحب المجلة فسد نظامه واختل أمره وضعفت مادته وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء، وابتلى بالقلة في كل شيء ولا يكون بلاء القلة إلا من كثرة القراء. . .