للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الاشتراع اليوجني.

إن الإنسان نشأ من الحيوان. وكان أهم عامل في نشوئه وترقيه وفوزه على العالم الحيواني الانتخاب الطبيعي والانتخاب الجنسي ولعل الأخير أقوى من الأول.

فالانتخاب الطبيعي وفي الإنسان إذ أباد منه كل ضعيف لم يقو جسمه على المرض أو لم يقو عقله على الاحتيال للمعاش.

والانتخاب الجنسي رقى الإنسان بأن أباد منهم كل دميم أو قليل الحيلة لم يستطع اجتذاب الأنثى إليه فيخلف منها نسلاً.

وكان آباؤنا في زمن الهمجية الإنسانية يعيشون من غير ما ذرائع طبية تحفظ صحتهم من الأمراض تجتثهم ولا تبقي منهم غير القوي ذي المناعة الجسمية.

وكانوا لا يعرفون رحمة أو إحساناً أو صدقة. فكان يموت منهم أول أول كل من ضعف عن كسب حياته.

وكانوا يتقاتلون على حيازة الأنثى ويحتالون عليها لاجتذابها إليهم، فكان يفوز منهم قوى الجسم كبير الحيلة وينهزم منهم النكس الجبان.

فارتقى الإنسان بهذا الانتخاب لأن الذين أمكنوا من التناسل كانوا كبار الحيلة والعقل أقوياء الجسم.

أما الآن فقد استنت لنا المدينة سننا عرقلت الانتخابيين الطبيعي والجنسي فنحن نحافظ على المريض بكل أصناف العلاجات. ونحافظ على الضعيف بكل أصناف الصدقات والإحسانات. ونحافظ فوق ذلك على نسلهما بسماحنا لهما بالزواج. حتى لقد حقت علينا كلمة نيتشه إننا كلنا مرضى الآن.

لهذا السبب لاح للعلماء الأوربيين أن يعتمد الزواج لا على العتاق من الناس كما نفعل في الخيول بل على الأصحاء عقلاً وجسماً. لأن معرفة العتق في الإنسان أو توخيه ليس سهلاً هيناً ظاهراً كما هو في الخيول.

فالعتيق من الخيل في نظرنا السريع الرشيق ولكن كيف يكون العتيق من الناس؟. لهذا السبب يقتصر اليوجنيون على توخي الصحة الجسمية والعقلية فيشترطونها على من يريد الزواج.