للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشفتين واللسان. وإن كانت بطاح سالسبرى وربى سلسكس مجدبة من شجر الانتقاد وأغراس المناظرة فما خرائب كنيلورث منها بمجدية. وعندي أن أول ما يجب السؤال عنه إذا أريد أن يخرج للتنزه مع الرفاق قصد السرور هو أين يذهب؟ فإذا كان خروج انفراد قصد التأمل والذكرى فالسؤال هو ماذا عسى المرء يصادف في طريقه فليس يراد في حالة الانفراد مكان بعينه. لأنها سياحة الذهن والذهن غني بنفسه عن ذلك المكان أو هذا. وهو بذاته إقليم ودولة في نفسه. وليس همنا أن نبلغ آخر السياحة.

وأما السياحة في البلاد الأجنبية فهذا مالا أستطيعه إلا في صحبة رفيق من أبناء جلدتي وأهل وطني. وكيف ولا بدلى أن أسمع نغمة لغتي ولسان أمتي من حين إلى آخر. وإن في طبيعة الإنكليزي لكراهة غريزية للعوائد والأراء الأجنبية يحتاج أبداً إلى أن يداويها ويمحو أثرها بضدها من ذلك العطف الذي يجلده لابن جلدته ووطنه. وكلما بعد الإنسان عن وطنه اشتدت تلك الحاجة إلى الرفيق حتى تصير ضرورة شديدة وغليلاً مشتعلاً بعد أن لم تكن إلا تعلة وسلوة. ولقد يخيل إلى أني كنت أموت اختناقاً لو قد أصبحت يوماً ما وسط صحارى نجد أو قفار حضرموت بلا رفيق من أبناء وطني ولا ينكر أحد أن منظر روما أو أتينا ليس يخلو من شيء مدهش غريب على النفس والعين لا يصح أن يضن عليه بلفظة ويمر به اللسان راقداً. كما لا ينكر أحد أن الأهرام أضخم من أن تكتفي بتأملات خاطر واحد. وأبعد أقطاراً من أن يذرع مساحتها باع ذهن منفرد. هذا وإن المرء وحيداً بين المشاهد الأجنبية ليخيل إليه أنه نوع من الخليقة مغاير لمن يحيط به من الناس أو أنه عضو قد فصل عن جسم المجتمع فيحس وحشة أيما وحشة إلا أن يصادف إنسا من رفيق يشاكله وصديق يماثله. على أني لم أجد كل هذه الوحشة لدن مس قدمى شاطئ فرنسا الضاحك لأول مرة فوجدت بلدة كاليز غاصة الأرجاء بالزينة والبجهة وكان صوت حركة الإنسانية وأنس الحياة يتحدر كمنبت عقود الجمان ومرفض أسلاك الدر في مسمعي. ولم يشذ عن أذني غناء الملامح بفرع سفينة عتيقة السن قد شاب فؤداها ومسها من أولق الموج اولق ومن لوثة البحر خبال. وإنما كنت هناك أنشق نسيم الإنسانية ولما بسطت القدم في بساط تربها الدمث العبق وثراها المفوف قد نمنمته أيدي الأنواء ورشته لله كف صناع بسطت قدماً وثابة ممراحا وهززت عطفاً ملكته نشوة السرور وتقاذفته أريحيات الطرب