للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما ذاك إلا لأنها أرض الحرية قد ضربت بها خيامها. ورفعت عليها أعلامها. ولم تحن فيها رقاب الأمم للظلمة والجبابرة!

إن في السياحة بالبلاد الأجنبية لاحساسا لا يجده الإنسان في غير ذلك ولكنه أجدر بأن يكون لذيذا في وقته منه بأن يكون باقي الأثر. وذلك أنه لبعده عن أحوالنا العادية ليس حرياً أن يعترض في سياق أحاديثنا ومجرى كلامنا. ولا يلتئم بديباجة حياتنا كأنه كان قطعة من حياة غير الحياة الإنسانية أو كان حلماً من الأحلام وخيالاً توقد برهة ثم خبا. وأنه لمن أشد العناء على الذهن أن يتوهم ذلك الإحساس الغريب بعد زواله وعسير على المرء أن يخلع شخصيته الحقيقية فيلبس شخصية وهمية وصعب عليه أن يوقظ نبض اللذة التي ماتت وقبرت اللهم إلا أن استطاع أن يثب من فوق أسوار الحاضر في حشا الماضي. والشخصية الخيالية الغريبة وحش لا يصاد. وظهر لا يراض والوقت الذي أمضيناه في السياحة الأجنبية مقطوع عن عمرنا. مفصول من حياتنا لا سبيل إلى وصله ولا وسيلة إلى إدماجه والمرء ما دام خارج وطنه رجل آخر خلاف الذي كان هنالك. حتى أن المسافر ليودع نفسه فيمن يودع ولله در القائل خرجت من موطني ومن نفسي فمن أراد أن ينسي الحزن والشجن فليذهب إلى غير بلده من بلاد الله يجد في عجب المناظر وغريب الأحوال سلوة وروحاً. وتغب من عينه مذكرات الهموم وباعثات الأسى ولذلك كنت أنفق حياتي خارج بلادي لو وجدت من يقرضني حياة أخرى أنفقها في وطني حتى أقضى حقوقه.

الصانع المسكين

(رسالة في قالب قصصي)

للروائي الكبير تشارلس دكنز

هذا الصانع المسكين يعيش على ضفة نهر زاخر التيار طامي العباب اسمه الزمن يصب في اقيانوس عظيم مجهول اسمه الأبد وما زال ذلك النهر منذ بدء الخليقة يجرى ويطرد وكان ربما غير مجراه وانحدر في مسايل جديدة ومسائل حديثة تاركاً مجاريه القديمة غبراء يابسة ولكنه رهن الانحدار والمسيل حتى يفني الله الزمن ثم تراه لا يقف في وجهه شيء ولا يثبت أمام سيله الجارف ناطق ولا صامت بل كان ما على الأرض منقاد طوع تياره محمول على متنه إلى ذاك الاقيانوس المجهول -.