للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأنه لمن أفحش العيب والخطأ أن يخلط بين شعورين متغايرين هذه المغايرة علة وأثراً حتى تقع الشبهة بينهما ويلتبس أحدهما بالآخر وما ذلك إلا لأن العامة لم يفرقوا في التسمية بينهما بل أدرجوهما معاً تحت اسم واحد عام. ولكني سأطلق على تلك اللذة النسبية المتعلقة بالألم اسم السرور وسأبذل الجهد في أن لا أستعمل هذا اللفظ لغير هذا المعنى بل أجعله وقفاً عليه رهناً به. ولقد آثرت اتخاذ كلمة مألوفة معروفة أقصر مدلولها واخصص مفهومها على إدخال كلمة جديدة ربما تعذر حسن إدماجها في سلك اللغة وانتظامها في سمط الألفاظ وخلاصة القول إني سأستعمل كلمة السرور في التعبير عن الوجدان الناشئ من زوال الألم أو تخفيفه وكلمة اللذة في التعبير عن اللذة الإيجابية المستقلة التي لا علاقة لها بالألم.

الفصل الخامس

الفرح والحزن

اعلم أن انقطاع اللذة يؤثر في النفس على ثلاثة أشكال. فإذا كانت لم تنقطع إلا بعد استمرارها زمناً كافياً كان كل ما يحدثه انقطاعها هو حالة السكون الاعتيادية. وإذا كان انقطاعها بغتة نشأ عن ذلك قلق في النفس يسمى حسرة فإذا فقد سبب اللذة حتى أيس من استرجاعه نشأ بالنفس وجدان يسمى الحزن وليس شيء من هذه الثلاث كلا ولا الحزن نفسه ولو بلغ أقصاه بمشبه وجدان الألم. وذلك أن الحزين يترك الحزن يشيع في نفسه ويتفشى في روحه ويسترسل هو فيه ويتمادى وكأنه يحب الحزن ويألفه ويستريح إليه. ولكن هذا خلاف ما يحدث من الألم الواقعي الذي ما علمنا أن امرأ احتمله طائعاً مختاراً لبرهة طويلة من الزمن، وليس بالأمر العسير أن يفهم الناس أن صاحب الحزن ربما حمله مختاراً راضياً مرتاحاً إلى حمله وإن لم يكن بالأمر اللذيذ على الإطلاق، الممتع بوجه عام، وتفسير ذلك أن من شأن الحزن أن لا يزال بمثل المفقود لقلب الفاقد الحزين فيقلبه لناظر وهمه في أعجب أشكاله وأبهج ألوانه وأخلب صوره وأن يجد ذكرى كل ما كان قد اتصل بهذا المفقود من الحوادث ولحقه من الأحوال والشؤون لا يغادر من ذلك صغيرة ولا كبيرة إلا أوردها وساقها إلى مخيلة الحزين الواجد. والسليب الفاقد. كذلك من شأن الحزن أن يرجع بصاحبه إلى العصر الماضي فيشهده في عالم الخيال كل نعمة كان في سالف الأيام باشر، وكل مسرة لابس. وكل لذة عاقر. وكل حسنة خالس. ويطيل به الوقوف على