للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خيالات تلك الملاذ والمطايب. ويكثر به التلوم على أشباح هاتيك المباهج والمطارب. مبدياً بها من جديد المحاسن الآلاف المؤلفة مما كان قد خفى على المرء أيام يباشر حقيقة هذه النعيم واللذائذ. وكذلك الذكرى تذيع - بعد افتقاد الشيء - للوهم. غوامض أسرار كانت أيام وجدانه تغيب عن الفهم. فلا تدركها المعرفة ولا يحيط بها العلم. فمن ذلك ترى أن الحزن تخيم من فوقه اللذة. وإن البلاء الذي تحتمله إذ ذاك لا شبه له بالألم المطلق الذي لا يكون قط إلا بغيضاً مشكراً، والذي ما أن نزال نبتغي الخلاص من ربقته. ويحمل بي هنا أن أستشهد على صدق هذه القضية بأبيات لشيخ الشعراء صناجة العالم القديم والزمان الأول هو ميروس وهي أبيات من ملحمته المسماة الأوديسيا ينعت بها بطل القصة مصاب خلانه وأخدانه، ويندب فيها بلواه وبلواهم. ويبكي شجوه وشجوهم. قال هو ميروس في تلك القصيدة الكبرى على لسن ذلك البطل إني لا أحب إدامة الإطراق والتفكير والهم ولا الاسترسال مع الخواطر المحزنة والهواجس المبرحة ولكن من شأني أن لا أزال فرق بين الخاطر المحزن وأخيه بالفكرة السارة والذكرى المفرحة بيد أن هذه الخواطر الحزينة على ما طويت عليه من حزن ولويت عليه من شجن لتكسبني لذة وتورثني متاعاً.

إني ربما صبوت للحزن وتقت إلى الأسى فسرحت خاطري في أودية الذكرى أحضر مخيلتي صور من مضى من الأصحاب. وعهود من تولى من الأحباب. رعياً مني لحرمتهم وقضاء لحقهم.

ما في اد كارك ساعة من باس ... تقضي حقوق الأزمن الأدرا

وهشت نفسي للوجد وارتاحت عيني للبكاء وخفت جوانحي للزفير وإن من الحنين ما يستحب، وإن من الدموع ما يستعذب وما بلت حرقة الجوى بمثل ماء الشؤون. ولا أطفئت جمرة الغليل بمثل مقلة هتون.

الفصل السادس

الوجدانات الخاصة بوقاية النفس

معظم الأمور الجديرة بأن تحدث في النفس تأثيراً من ألم محض أو لذة محضة أو مزيج من هذا أو ذاك لا تكاد تخرج عن أحد هذين البابين وقاية النفس العمران، فإن إليهما مرجع كل وجدان نفساني. وإني أرى الوجدان الخاصة بوقاية النفس تدور حول الألم أو الخطر.