للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كنت تراه أصفر الوجه مبهوتاً شاخص البصر مبهوراً. وتلك لعمرك هيئة كل من كان بمثل حالة ذلك الناجي من الخطر المفلت من التلف أفضى به الفرار إلى مأمن فراح دهشاً فرقاً مبهوتا. وبيان ذلك أنه إذا اعترى أحدنا شديد الجزع لسبب ما فزال هذا السبب لم يزل معه الجزتع للتو واللحظة بل بقي حيناً بعد زوال سببه. فمثل ذلك كالزوبعة تهيج بالبحر فلا يسكن بسكونها البحر ولا يفتر بفتورها العباب بل تبصر الماء بعدركدة الريح في القطام. والموج في اصطدام. وكذلك تقرع الطبول وتنبض الأوتار فيبقى لها صدى في الأسماع وفترة في العظام فإذا زال من نفس نقيذ الألم تلك البقية وذهبت من روحه هذه الفضلة عاد إلى حاله المعتادة من الهدوء والسكينة. وقصارى القول أن اللذة وجدان إيجابي مستقل لا يكون قط منشؤها زوال ألم أو خطر.

الفصل الرابع

الكلام على السرو واللذة من حيث تضادهما

ولكن أيجوز لنا بناء على ذلك أن نقول أن زوال الألم أو تخفيضه يترك دائماً ألماً محضاً، أو أن انقطاع اللذة أو نقصانها لا يزال مشفوعاً بنوع من اللذة، كلا لا يجوز لنا أن نقول ذلك. بل الذي أقول هو هذا: أولاً إن هناك ملاذ مستقلة إيجابية وآلاماً مستقلة إيجابية، ثانياً إن الشبه الكائن بين الشعور الناشئ من انقطاع الألم أو تخفيضه وبين اللذة الإيجابية المستقلة أبعد وأضعف من أن يسوغ لنا أن نلحق الأول بالثاني أو نسميه باسمه. ثالثاً إن زوال اللذة أو نقصانها لا يشبه الألم الإيجابي المستقل. ولاشك أن في الشعور الأول (أعنى ما يعقب زوال الألم أو نقصانه) لشيئاً بعيداً من الكراهية والإيذاء. وهذا الشعور الذي هو في كثير من الأحوال محمود والذي هو في جميع الأحوال مخالف للذة الإيجابية لا أعرف له اسماًَ. ولكن ذلك لا يمنع كونه شعوراً حقيقياً جد مغاير لسائر الوجدانات. ومما لا ريب فيه إن كل نوع من الرضى أو اللذة مهما كانت صفة تأثيره هو ذو وجود مستقل في نفس الشاعرية. أجل أن كل شعور هو لاشك إيجابي مستقل وإن كان السبب كما هو الواقع في هذه الحالة - ربما كان نوعاً من الفقدان والسلب. وأنه ليجدر بنا ويجب علينا أن نميز بالتسمية بين شيئين مختلفين مثل هذا الخلاف في ماهيتهما وهما اللذة الإيجابية المستقلة المجردة من كل علاقة وتلك اللذة التي لا تكون قط بلا علاقة - وهذه العلاقة علاقة بالألم.