[٦] وابن المقفع الكاتب البليغ المشهور وزعموا أنه اشتغل بمعارضة القرآن مدة ثم مزق ما جمع واستحيا لنفسه من إظهاره وهذا عندنا إنما هو تصحيح من بعض العلماء لما تزعمه الملحدة من أن كتاب الدرة اليتيمة لابن المقفع هو في معارضة القرآن فكأن الكذب لا يدفع إلا بالكذب وإذا قال هؤلاء أن الرجل قد عارض وأظهر كلامه ثقة منه بقوته وفصاحته وأنه في ذلك من وزن القرآن وطبقته وابن المقفع هو ما هو في هذا الأمر. قال أولئك بل عارض ومزق واستحيا لنفسه. . .
أما نحن فنقول إن الروايتين مكذوبتان جميعاً وإن ابن المقفع من أبصر الناس باستحالة المعارضة لا لشيء من الأشياء إلا أنه من أبلغ الناس، وإذا قيل لك أن فلاناً يزعم إمكان المعارضة ويحتج لذلك وينازع فيه فاعلم أن فلاناً هذا في الصناعة أحد رجلين اثنين إما جاهل يصدق في نفسه وإما عالم يكذب على الناس ولن يكون فلان ثالث ثلاثة.
وإنما نسبت المعارضة لابن المقفع دون غيره من بلغاء الناس لأن فتنة الفرق الملحدة إنما كانت بعده وكان البلغاء كافة لا يمترون في إعجاز القرآن وإن اختلفوا في وجه إعجازه. ثم كان ابن المقفع متهماً عند الناس في دينه فدفع بعض ذلك إلى بعض وتهيأت النسبة من الجملة.
ولو كانت الزندقة فاشية أيام عبد الحميد الكاتب وكان متهماً بها لما أخلته إحدى الروايات من زعم المعارضة لا لأنه زنديق ولكن لأنه بليغ يصلح دليلاً للزنادقة.
وزعم هؤلاء الملحدة أيضاً أن حكم قاموس وشمكير وقصصه هي من بعض المعارضة للقرآن فكأنهم يحسبون أن كل ما فيه أدب وحكمة وتاريخ وأخبار فتلك سبيله، وما ندري لمن كانوا يزعمون مثل هذا ومثل قولهم إن القصائد السبع المسماة بالمعلقات هي عندهم معارضة للقرآن بفصاحتها. .؟.
[٧] وأبو الحسين أحمد بن يحيى المعروف بابن الراوندي وكان رجلاً غلبت عليه شقوة الكلام فبسط لسانه في مناقضة الشريعة وذهب يزعم ويفتري، وليس أدل على جهله وفساد قياسه وأنه يمضي في قضية لا برهان له بها - من قوله في كتاب (الفريد): أن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالقرآن الذي تحدى به النبي (صلى الله عليه وسلم) فلم تقدر العرب على معارضته فيقال لهم أخبرونا لو ادعى مدع لمن تقدم من الفلاسفة. . . مثل دعواكم في