للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنك ترى الماء مركباً كيماوياً من الهيدروجين والأكسجين، ولكل من هذين العنصرين مميزات وصفات شخصية، على أن ليس للماء المؤلف من اختلاطهما أدنى نصيب من تلك المميزات الفردية، فإذا انتقضت هذه الرابطة بين العناصر المتممة للأمة وانتكث السبب الذي يمسكها، وانحلت الآصرة التي تشدها أصبح أمر الأمة فرطاً، وأضحى فيها بدل مجموع واحد مجاميع كثيرة، وعوض أمة واحدة أمم متعددة. كلها يطالب بالامتياز في الحقوق الاجتماعية والمدنية، وكلها لا يتوخى فائدة المجموع الأمي. وإنما يتوخى فائدة عنصره. وإذ ذاك تصطدم المصالح وإذا اصطدمت المصالح ثار الخلاف، ولا يكون من مصير الخلاف، إلا تعطيل التطور الاجتماعي الذي تنشده كل جماعة إنسانية.

هذا وإن العنصرين المؤلفين لمجموع الأمة المصرية. هما العنصر الإسلامي وله الأغلبية. والعنصر القبطي وله الأقلية. ولا غنى لتركيب الأمة عن أحدهما. ولا يقوم المسلمون في الاعتبار المصري دون إخوانهم الأقباط. ولا قائمة للأقباط دون إخوانهم المسلمين. فمن ثم ينبغي أن يتوارى الاختلاف الديني أمام الوحدة المصرية، وينظر الفريقان إلى مصلحة مصر بنظرة المصري لا بنظرة المسلم ولا القبطي. لأن الوطن ليس بالمسجد ولا بالمعبد حتى تعتبر فيه الفروق الدينية.

وقد كان الفريقان والعهد ليس ببعيد يتقاطعان ويتجادلان، ويقيمان الجمعيات والمؤتمرات. ليقرر كل منهما حقوقه، ويعلن مطالبه، ويذيع رغائبه، وكأن حق المصري لابد أن يختلف باختلاف نحلته. ولكن أمد هذا التقاطع لم يطل. وكان من مساعي عقلاء العنصرين وكبار رجالهما، أن تبدل ذلك التقاطع وحده ووثاماً، وعاد ذلك التناكر تعارفاً وسلاماً. وأصبح المسلمون والأقباط اليوم على محض التحاب والصفاء.

نذكر ذلك ونحن بسبيل ترجمة نابغة من نوابغ المصريين الأقباط. ونابه من كبارنا بينهم هو أول من مشى بالسلام بين العنصرين. وأول من أصلح منهما ذات البين. ووفق بين القلوب، وهدأ من ثائرة الأقلام، حتى لا يدع أن يلقب فينا برجل السلام.

ولقد عطوفة صاحب الترجمة لستين عاماً خلون بعد الألف والثمانمائة، فهو الآن في العقد السادس من عمره، فبدأ علومه في مدارس الأقباط والفرنسيس، ثم دخل في خدمة الحكومة سنة ١٨٧٥ فما زال يثب من منصب إلى منصب، حتى أخريات عام ١٨٩٣ إذ أصبح