للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النفوس إليها، وتغري الأهواء بها. وكيف تتخذ لوجهها أملح الحركات وألطف الإشارات، وتتصنع سذاجة الطفولة في نبرات صوتها، وعبث الشبيبة في غراراتها، إلى أن قال: وماذا يعنيها من نقد الناقدين؟؟. فأما أترابها من النساء فهي لا تؤمل عندهن عطفاً ولا مودة، وهبهن قد عطفن عليها وأزلفن إليها بالمودة فأي ربح لها في ذلك؟؟ وأما الرجال فماذا عليها من أن يعرض عنها أحد العلماء أعراض الإنكار والاستياء إذا كان فتيان النوادي وظرفاء الشبان يرصدونها بمجاهرهم ويلحظونها بعين الإعجاب والاستحسان.

وكما استثنى نورد النساء من مدرسته كذلك استثنى منها أشباههن من الرجال أصحاب القامة المديدة، والسبال المفتولة، والطلعة الوسيمة، والهياكل الجسيمة، وهم شبيهون بالنساء في أن نجاحهم عند غير جنسهم. فكما أن المرأة لا تعول على رأي النساء فيها كذلك لا حاجة لخلب النساء إلى التفاهم مع أبناء جنسه أو التعويل على رأيهم فيه. نجاح تلك الوسائل إنما هو عليها. وإلى تمحل أسباب النجاح وابتغاء الوسائ

وكذلك استثنى من مدرسته رجال العبقرية لأنهم شواذ الناس وإنما تشاد المعاهد للأوساط والأنداد. وإن رجلاً - كما يقول - مثل بيتهوفن كان يبلغ ما بلغه في فن الألحان حضر مدرسة الموسيقى أو لم يحضر. فأما الذين حرموا من المزايا ولم يحرموا نفساً تواقة إلى الامتياز على الناس بطنطنة الأبهة وفخامة الألقاب فأولئك الذين أفتح لهم أبواب مدرستي وأوصى رئيسها أن يقول لمن يضع ابنه في كفالته: تعال يا صاح! ألا تفصح لي عن باطن نيتك وما أنت مختارة لولدك؟ - فإن كان قصدك أن يقضي ولدك حياته في عالم وهمي، يلبس فيه أكاليل الفلج ذوو الكفاءة وأولو المقدرة، ويبحث فيه الناس عن الفضيلة العاكفة في خدرها فيجزونها، وعن البلادة والغرور والخسة فلا يجدونها، وينقبون فلا يرون فيه محلاً لغير الخير والجمال، ولا موضعاً لسوى الحق والكمال - أو كنت تختار لولدك أن يتمسك باحترام نفسه ويؤثره على إطراء الناس له. يصغي إلى ما يمليه عليه ضميره ويعرض عما يتمدح به الكافة من السوقة والغوغاء، ويغتبط بقضاء واجبه ومحاسبة ذمته أكثر من اغتباطه برضى الناس عنه، فاعلم أن لا محل له في مدرستي، وأولى لك أن تأخذ بيده إلى المدارس العتيقة فيرتل هناك ما يشاء من قصائد الشعراء الأقدمين والمحدثين، ويتلهى بما يشاء من العلوم والمعارف، ويسلم بما يفرغه في أذنيه معلموه وأساتذته، وأما أن تختار