للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في مراقبته.

وكذلك فعلنا.

كان الجاسوس روسر لا يفترقان لحظة ولا ينفصلان، يلتقيان كل مساء، وكثيراً ما كانت أسرة روسر تذهب إلى مشاهدة التمثيل أو الرقص على نفقة باركر، وكان لا يجعل للمسكين سبيلاً إلى إنفاق شيء.

وقد ظهر لنا بعد استعلامات دقيقة أن روسر هذا من أمهر عمال المصنع وأحذقهم وأعلمنهم بصناعة المدافع، وقد بلغ من ثقتهم به أن ألقوا إليه مقاليد إتمام المدفع الجديد الذي سيكون فخر البحرية الإنكليزية، لا تدانيه منسوجات كروب، ولا يضارعه أحدث ما خرج من المدافع إلى ميدان الحرب.

حدث ذات ليلة إن كان الرجلان في أحد القهوات العمومية بالمدينة، وقد استرقت السمع إليهما فعلمت من مجرى الحديث أن باركر قد أقرض صديقه مائة وخمسة وسبعين جنيها، وإن عقد شراء البيت الجديد سيكتب في اليوم التالي، وكان روسر تلك الليلة مطنباً في شكر باركر مسهباً في الثناء عليه، وظهر لي كذلك أن نصف المبلغ الآخر سيدفع مؤخراً وسيلقى على باركر نفسه.

وكان الرجلان يتقارعان الكؤوس، وكان واضحاً من أمر روسر أنه لا يعلم شيئاً من أمر الهوة السحيقة الفاغرة فاها تريد أن تبتلعه، وفي الناس كثيرون لا يعرفون الريب ولا يخطر لهم الاتهام، ولا تقع لهم الاسترابة، ولعل العامل الإنكليزي أول هؤلاء.

فلما عرضت ما سمعت على راي وتشاورنا بيننا عما نحن صانعون، قر رأينا على أن الوقت قد حان للاقتراب من روسر وإظهار سر صديقه الجواد له.

وتبين لنا أن باركر قد يريد الرجل بسلطان كرمه وبقوة تأثيره على أن يستخلص له رسماً للمدفع الحديث أو شيئاً عن أوصافه ومزاياه وأسرار صناعته، ويفهمه أنه إذا لم يفعل، نزل به الدمار، وتولاه الفقر والخراب، وتحققنا أن روسر وإن كان عاملاً أميناً يعيش من أجوره الأسبوعية، وليس له ما يقيم أود زوجته وأولاده ويرفعهم من وهدة الخصاصة، وأنت تعلم أن الوجدانات الوطنية ليست من الصعب نسيانها أو التغلب عليها إذا رأى الرجل زوجته وأسرته في خطر من الجوع.