للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مبلغ رقي هذه الصناعة عندهم، وقد وقفت على هذه الأوصاف الهامة عرضاً في المقريزي فقد ذكر مناظرة القصير وابن عزيز ومنافستهما في التصوير أيام وزارة البازوري سيد الوزراء الحسن بن علي بن عبد الرحمن وزير المستنصر الفاطمي فقد كان كثيراً ما يحرض بينهما ويغريهما بعضاً ببعض لأنه كان أحب شيء إليه كتاب مصور أو النظر إلى صورة أو تزويق، ولما استدعى ابن عزيز من العراق فأفسده - وكان قد أتى لمحاربة القصير كان يشتط في أجرته ويلحقه عجب في صنعته وهو حقيق بذلك، وكان الباروزي قد أحضر مجلسه القصير وابن عزيز فقال ابن عزيز أنا أصور صورة إذا رآها الناظر ظن أنها خارجة من الحائط فقال القصير لكن أنا أصورها فإذا نظرها الناظر ظن أنها داخلة في الحائط فقالوا هذا أعجب ثم أمرهما الوزير البازروي أن يصنعا ما وعدا به فصورا صورة راقصتين في صورة حنيتين مدهونتين متقابلتين هذه ترى كأنها داخلة في الحائط وتلك كأنها خارجة من الحائط، فصور القصير راقصة بثياب بيض في صورة حنية دهنها أسود كأنها داخلة في صورة الحنية، وصور ابن عزيز راقصة بثياب حمر في صورة حنية صفراء كأنها بارزة من الحنية، فاستحسن البازوري ذلك وخلع عليهما ووهبهما كثيراً من الذهب.

أما صنعة (البصريين وبني المعلم) في التصوير والتزويق فقد وصفهما المقريزي عند كلامه على أبواب جامع القرافة قال: وعدتها أربعة عشر باباً. . . . أمام كل باب قنطرة قوس على عمودي رخام ثلاثة صفوف وهو مكندج مزوق باللازورد والزنجفر والزنجار وأنواع الأصباغ وفيه مواضع مدهونة والسقوف مزوقة ملونة كلها والحنايا والعقود التي على العمد مزوقة بأنواع الأصباغ من صنعة البصريين وبني المعلم المزوقين. . . وكان قبالة الباب السابع من هذه الأبواب قنطرة قوس مزوقة في منحني حافتيها شاذروان مدرج وآلات سود وبيض وحمر وخضر وزرق وصفر إذا تطلع إليها من وقف في سهم قوسها رافعاً رأسه إليها ظن أن المدرج المزوق كأنه خشب كالمقرنص وإذا أتى إلى أحد قطري القوس نصف الدائرة ووقف عند أول القوس منها ورفع رأسه رأى ذلك الذي توهمه مسطحاً لا نتوء فيه، وهذه من أفخر الصنائع عند المزوقين، وكانت هذه القنطرة من صنعة بني المعلم وكان الصناع يأتون إليها ليعملوا مثلها فما يقدرون.